صدق وصدق رسله، ويعرفوه بها، ويعرفوا كماله وصفاته، وعظمته وجلاله، وربوبيته وتوحيده، وأنه الإله الحق وما سواه باطل، فهذا هو الذي أعطاهم العقل لأجله بالذات والقصد الأول، وهداهم به إلى مصالح معاشهم التي تكون عوناً لهم على ما خلقوا لأجله، وأعطوا العقول له، فأعظم ثمرة العقل: معرفته لخالقه وفاطره، ومعرفة صفات كماله ونعوت جلاله وأفعاله، وصدق رسله، والخضوع والذل والتعبد له).
وقال ـ رحمه الله ـ:(إن السمع حجة الله على خلقه، وكذلك العقل، فهو سبحانه أقام عليهم حجته بما ركب فيهم من العقل، وبما أنزل إليهم من السمع، والعقل الصريح لا يتناقض في نفسه، كما أن السمع الصحيح لا يتناقض في نفسه، وكذلك العقل مع السمع، فحجج الله وبيناته لا تتناقض ولا تتعارض، ولكن تتوافق وتتعاضد، وأنت لا تجد سمعاً صحيحاً عارضه معقول مقبول عند كافة العقلاء أو أكثرهم، ولا تجده ما دام الحق حقاً والباطل باطلاً، بل العقل الصريح يدفع المعقول المعارض للسمع الصحيح ويشهد ببطلانه).
ومن ثم كان العقل كافياً في معرفة الله وتوحيده، وكذا بطلان الشرك وقبحه ولو لم يرد بذلك شرع، فالإيمان بالله وحده والابتعاد عن الشرك وكلما يعبد من دون الله مستقر في الفطر والعقول، بل هو أرسخ وأثبت مرتكزاتهما، وبهذا كان العقل حجة مستقلة في بطلان الشرك ولو لم يأت بحرمته شرع.
فإن النقل والعقل خرجا من مشكاة واحدة، وجاء النقل ليخاطب العباد بمرتكزات العقل ويقيم موجبه، ويفصّل مجمله، ويبين ما عجز عن إدراكه،