وكان قد دخل فيهم داء التعطيل، فإنهم في زمن موسى عليه السلام كانوا على التوحيد وإثبات الصفات، وتكليم الله لعبده موسى تكليمًا، إلى أن توفي موسى عليه السلام، ودخل الداخل على بني إسرائيل، ورفع التعطيل رأسه بينهم، وأقدموا على علوم المعطلة ـ أعداء موسى عليه السلام ـ وقدموها على نصوص التوراة، فسلط الله تعالى عليهم من أزال ملكهم، وشردهم من أوطانهم، وسبى ذراريهم. والمقصود أن هذا الداء لما دخل في بني إسرائيل كان سبب دمارهم وزوال مملكتهم ... .
فأراد الله سبحانه أن يهز في هذا الشعب ما جمد من عواطفه ويحرك فيه المعاني الروحية التي نسيها، فأجرى له ثلاث آيات كبار جاءت متتابعة متقاربة؛ الأولى: في ولادة مريم عليها السلام، وكانت أمها حنة (أو حمنة) عقيمًا لا تلد، فنذرت إن رزقها الله بولد لتهبنه لخدمة بيت المقدس، فلما وضعتها أسفت لكونها أنثى لا تصلح للخدمة، وقالت ـ تعتذر إلى الله ـ:(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، ولكن الله قبلها منها وأنبتها نباتاً حسنًا، فذهبت إلى العلماء في بيت المقدس وألقتها بين أيديهم وقالت: دونكم هذه النذيرة، فتنافسوا في كفالتها، ولكن الله كفّلها زكريا عليه السلام؛ لأن خالتها كانت تحته، وقد جعلها زكريا في محراب المسجد، فكان كلما