أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا)، إلى أن قال:(ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ)، أرسله الله عز وجل إلى بني إسرائيل رسولاً، وقد خلت من قبله الرسل، وجعله آية للناس؛ حيث خلقه من غير أب، إظهارًا لكمال قدرته، وشمول كلمته سبحانه؛ حيث قسم النوع الإنساني الأقسام الأربعة؛ فجعل آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق زوجه حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق المسيح ابن مريم من أنثى بلا ذكر، وخلق سائرهم من الزوجين الذكر والأنثى. وأتى عبده المسيح من الآيات البينات ما جرت به سنته؛ فأحيي الموتى، وأبرأ الأكمه والأبرص، وأنبأ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، ودعا إلى الله وإلى عبادته متبعًا سنة إخوانه المرسلين، مصدقًا لمن كان قبله، ومبشرًا بمن يأتي بعده.
وقد ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم دعوته إلى التوحيد وكونه من الرسل في غير ما آية، فقال في معرض الرد على النصارى في ادعائهم بنوة عيسى عليه السلام، وفي قولهم: إن الآلهة ثلاثة، أنهم غيروا رسالة عيسى وخالفوا دعواته، فإنه ما دعاهم إلا بما كانت الرسل قبله تدعو إليه من توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة، قال تعالى:(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ