وأنه لم يكن معدومًا أصلاً، بل لم يزل ولا يزال، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها بالعقول والنفوس، وهم الفلاسفة الصابئة الملاحدة الدهريون.
قال ابن القيم:(وهؤلاء فرقتان؛ فرقة قالت: إن الخالق سبحانه لما خلق الأفلاك متحركة أعظم حركة دارت عليه فأحرقته، ولم يقدر على ضبطها وإمساك حركاتها.
وفرقة قالت: إن الأشياء ليس لها أول ألبتة، وإنما تخرج من القوة إلى الفعل، فإذا خرج ما كان بالقوة إلى الفعل تكونت الأشياء: مركباتها وبسائطها، من ذاتها، لا من شيء آخر، وقالوا: إن العالم دائم لم يزل ولا يزال، ولا يتغير، ولا يضمحل، ولا يجوز أن يكون المبدع يفعل فعلاً يبطل ويضمحل إلا وهو يبطل ويضمحل مع فعله، وهذا العالم هو الممسك لهذه الأجزاء التي فيه، وهؤلاء هم المعطلة حقًا، وهم فحول المعطلة، وقد سرى هذا التعطيل إلى سائر فرق المعطلة ... ).
وقد حكى أرباب المقالات أن أول من عرف عنه القول بقدم العالم أرسطو، والرجل معطل مشرك جاحد للنبوات والمعاد، لا مبدأ عنه ولا معاد ولا رسول ولا كتاب، وبالجملة: ملاحدة الفلاسفة هم أهل التعطيل المحض، فإنهم عطلوا الشرائع، وعطلوا المصنوع عن الصانع.