بهم في بداية الأمر، ثم لما رفع العلم وغلب الجهل ظن أن هؤلاء كانوا قومًا صالحين فلابد من العكوف على قبورهم كي ينالوا مرضات الرب سبحانه، فعكفوا على قبورهم، ثم دب إليهم إبليس بأن الأولين كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم. فلم يحصل هذا الشرك في هؤلاء القوم إلا نتيجة الغلو في بعض المخلوقات.
وشرك قوم إبراهيم عليه السلام أيضًا ناتج عن الغلو في بعض المخلوقات؛ فإن (قومًا من الأوائل اعتقدوا أن الكواكب تفعل أفعالاً تجري في النفع والضر مجرى أفعال الإله على حسب ما يعتقده بعض أهل التنجيم، فاتخذوا عبادتها دينًا، وأراد ملوكهم ورؤساؤهم توكيده في أنفسهم، والزيادة فيه من عندهم، وذلك؛ أن الملك يحتاج إلى الدين كحاجة المال والرجال، لأن الملك لا يثبت إلا بالبيعة، والبيعة لا تكون إلا بالأيمان والأيمان لا يكون إلا لأهل الأديان، إذ لا يصح أن يحلف الرجل إلا بدينه ومعبوده، ومن لا يعتقد دينًا لا يوثق بيمينه، ... إلى غير ذلك مما يتعلق من أمر الملك بالدين، فصنعوا لهم الأصنام على صور الكواكب التي يعبدونها).
فهؤلاء غلوا في الأجرام السماوية، وظنوا أنها تنفع وتضر وأن شفاعتهن مقبولة عند الباري تعالى، ولهذا قالوا: (لا سبيل لنا إلى الوصول إلى جلاله إلا بالوسائط، فالواجب علينا أن نتقرب إليه بتوسطات الروحانيات القريبة منه، وهم الروحانيون المقربون المقدسون عن المواد الجسمانية، وعن القوى الجسدانية، بل قد جبلوا على الطهارة، فنحن نتقرب إليهم ونتقرب بهم إليه،