للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صانعه، أو عطله عن أسمائه وصفاته وأفعاله، أو عطل كليهما، فإنه لابد أن يطلب من الآخر ما يسد به حاجاته ـ شاء أم أبى ـ، ومن طلب منه سد الحاجات، يكون قد جعله ربًا له.

مثال ذلك؛ أن من أنكر أن يكون له رب أو خالق، فإنه لابد أن يعيش في هذا الكون، والعيش لا يكون بلا مواجهة المشاكل والمتاعب، فالمنكر للربوبية لا يخلو في التخلص عن هذه المتاعب والمشاكل عن حالين: إما أن يقول: إني سيد نفسي، أستطيع أن أتخلص عن هذه المشاكل بنفسي بدون تدخل من أحد، فإنه حينئذ يكون كاذبًا لا محالة. وإما أن يقول: إن فلانًا أو نظامًا معينًا سيحل لي المشاكل كلها، فإنه حينئذ أقام الشخص الفلاني أو النظام الفلاني في مقام الربوبية ـ وإن لم يصرح به، ولم يعترف به ـ.

وهكذا الأمر فيمن أنكر أسماء الله وصفاته وأفعاله الذي هو عدله وحكمته، فإنه يكون قد أثبت هذه الأسماء والصفات والأفعال لغيره سبحانه وإن أنكر وادعى غير ذلك، وذلك؛ أن أسماء الله وصفاته وأفعاله كلها من لوازم ذاته، ومن مستلزمات العباد، فكون هذه الأسماء والصفات والأفعال ثابتة له تعني أن العباد محتاجون إلى دعائه بهذه الأسماء، ومحتاجون لمعرفة هذه الصفات، ومحتاجون إلى هذا الأفعال. فوجود هذه الأسماء والصفات والأفعال لدى الرب تقتضي أن يكون العبد محتاجًا إلى العبودية بها، ولهذا يقول الإمام ابن القيم: (والأسماء الحسنى والصفات العُلى مقتضية لآثارها من العبودية والأمر اقتضاءها لآثارها من الخلق والتكوين، فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها؛ أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح.

<<  <  ج: ص:  >  >>