الثاني: لما قلنا: إن الحكم بما أنزل الله يشمل كل شئون الفرد والمجتمع، وإذا لم يطبق أحدنا ما حكم الله عز وجل في ما يرعاه، فإن حكمه يختلف حسب ما أداه إليه عمله هذا، من الكبيرة وارتكاب الحرام وكفر دون كفر، إلى كفر أكبر وشرك أكبر؛ لأن للمخالفة درجات في الشرع، فإن كان خالفه بمجرد اتباع هواه فهل يقال له إنه كافر مثلاً؟ ولو قلنا بهذا فما الفرق بيننا وبين الخوراج مثلاً؟ ولهذا من الخطأ ما نرى الآن في الساحة أناسًا يكفرون الناس بدون تفصيل، وبدون النظر إلى عواقب الأمور وإلى أنه هل يوجد هناك عنده شبهة أو مانع أم لا؟ .
كون إثبات صفة الحكم لغير الله شركًا بالله جل وعلا:
لا شك أن تنحية شرع الله تعالى وعدم التحاكم إليه في شئون الحياة من أخطر وأبرز الانحراف في مجتمعات المسلمين. ولقد كان من عواقب الحكم بغير ما أنزل الله في بلاد المسلمين ما حل بهم من أنواع الفساد وصنوف الظلم والذل والمحق. ولعل أخطر منه إعطاء سلطة التشريع والحكم لغير الله سبحانه.
ونظراً لأهمية وخطورة هذه المسألة من جانب، وكثرة اللبس فيها من جانب آخر، نفصل القول في المسألة على النحو التالي:
منزلة إثبات صفة الحكم والتشريع لله وحده:
فرض الله تعالى الحكم بشريعته، وأوجب ذلك على عباده، وجعله الغاية من تنزيل كتابه، فقال سبحانه:(وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ).