حينئذٍ بتابوت من ساج فجعلوا فيه وحجبهم الله تعالى حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم، وقيل إنّ تمليخا لما حمل إلى الملك الصالح قال له الملك: من أنت؟
قال: أنا رجل من أهل هذه المدينة وذكر أنه خرج أمس أو منذ أيام وذكر منزله وأقواماً لم يعرفهم أحد وكان الملك قد سمع أنّ فتية فقدوا في الزمان الأوّل وأن أسماؤهم مكتوبة على لوح في خزانته فدعا باللوح فنظر في أسمائهم فإذا اسمه مكتوب في ذكر أسماء ألاخرين فقال تمليخا: هم أصحابي فلما سمع الملك ذلك ركب هو ومن معه من القوم فلما أتوا باب الكهف قال تمليخا: دعوني حتى أدخل على أصحابي وأبشرهم فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم فدخل فبشرهم فقضبت روحه وأرواحهم وأغمي على الملك وأصحابه أثرهم فلم يهتدوا عليهم.
ثم وقع التنازع في أمرهم بين أهل المدينة كما قال تعالى:{إذ يتنازعون} ، أي: أهل المدينة {بينهم أمرهم} ، أي: أمر الفتية في البناء حولهم {فقالوا} ، أي: الكفار {ابنوا عليهم} ، أي: حولهم {بنياناً} يسترهم فإنهم كانوا على ديننا وقوله تعالى: {ربهم أعلم بهم} يجوز أن يكون من كلام الله تعالى وأن يكون من كلام المتنازعين فيهم {قال الذين غلبوا على أمرهم} ، أي: أمر الفتية وهم المؤمنون {لنتخذن عليهم} ، أي: حولهم {مسجداً} يصلى فيه وفعل ذلك على باب الكهف، وقيل: إنّ بعضهم قال: الأولى أن نسدّ باب الكهف عليهم لئلا يدخل أحد عليهم ولا يقف على أحوالهم إنسان. وقال الآخرون: بل الأولى أن نبني على باب الكهف مسجداً وهذا القول يدل على أنّ أولئك الأقوام كانوا عارفين بالله ومعترفين بالعبادة والصلاة، وقيل: تنازعوا في مقدار مكثهم وقيل في عددهم وأسمائهم. تنبيه: بنياناً يجوز أن يكون مفعولاً به جمع بنيانة وأن يكون مصدراً. ولما ذكر أصحاب الكهف عند النبيّ صلى الله عليه وسلم وقع الاختلاف في عددهم كما قال تعالى:
أي: الخائضون في قصتهم من أهل الكتاب والمؤمنين فقال بعض أهل الكتاب: {ثلاثة رابعهم كلبهم} ، أي: هم ثلاثة رجال ورابعهم كلبهم بانضمامه إليهم {ويقولون} ، أي: بعضهم {خمسة سادسهم كلبهم} فهذان القولان لنصارى نجران وقيل الأوّل قول اليهود والثاني قول النصارى. فإن قيل: لم جاءت سين الاستقبال في الأوّل دون الأخيرين؟ أجيب: بانّ في ذلك وجهين أن تدخل الأخيرين في حكم السين كما تقول قد أكرم وأنعم تريد معنى التوقع في الفعلين وأن تريد بيفعل معنى الاستقبال الذي هو صالح له. ولما كان قولهم ذلك بغير علم كان {رجماً بالغيب} ، أي: ظناً في الغيبة عنهم فهو راجع إلى القولين معاً ونصب على المفعول له، أي: لظنهم ذلك {ويقولون} ، أي: المؤمنون {سبعة وثامنهم كلبهم} قال أكثر المفسرين: هذا الأخير هو الحق ويدل عليه وجوه الأوّل أنه تعالى لما حكى قوله {ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} قال بعده: {قل ربي أعلم بعدّتهم ما يعلمهم إلا قليل} وأتبع القولين الأوّلين بقوله تعالى: {رجماً بالغيب} وتخصيص الشيء بالوصف يدل على أنّ الحال في الباقي بخلافه أن يكون المخصوص بالظنّ الباطل هو القولان الأوّلان، وأن يكون القول الثالث مخالفاً لهما في كونه رجماً بالغيب. الوجه الثاني: أنّ الواو في قوله تعالى: {وثامنهم} هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالاً من المعرفة في نحو