للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في بابه كما يقال: عجب عجيب أو هو واقع في الريب كما يقال: شعر شاعر أي: ذو شعر فهو اسم فاعل من أراب أي: أتى بالريب أو دخل فيه أي: أوقعته في الريب، ونسبة الإرابة إلى الشك مجاز قال الزمخشري: إلا أن بينهما فرقاً وهو أن المريب من المتعدي منقول ممن يصح أن يكون مريباً من الأعيان إلى المعني، ومن اللازم منقول من صاحب الشك إلى الشك كما تقول شعر شاعر انتهى، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة سبأ لم يبق نبي ولا رسول إلا كان له يوم القيامة رفيقاً ومصافحاً» حديث موضوع.

[سورة فاطر]

مكية هي ست وأربعون آية، ومائة وسبعةوتسعون كلمة، وثلاثة آلاف ومائة وثلاثون حرفاً

وهي ختام السور المفتتحة باسم الحمد التي فصلت فيها النعم الأربع التي هي أمهات النعم المجموعة في الفاتحة وهي: الإيجاد الأول، ثم الإبقاء الأول، ثم الإيجاد الثاني المشار إليه بسورة سبأ، ثم الإبقاء الثاني الذي هو أنهاها وأحكمها وهو الختام المشار إليه بهذه السورة المفتتحة بالابتداء الدال عليه بإنهاء القدرة وأحكمها المفصل أمره فيها في فريقي السعادة والشقاوة تفصيلاً شافياً على أنه استوفى في هذه السورة النعم الأربع كما يأتي بيانه في محله.

{بسم الله} الذي أحاطت دائرة قدرته بالممكنات {الرحمن} الذي عم الخلق بعموم الرحمة {الرحيم} الذي شرف أهل الكرامة بدوام المراقبة.

ولما أثبت سبحانه في التي قبلها الحشر الذي هو الإيجاد الثاني، وكان الحمد يكون بالمنع والإعدام كما يكون بالإعطاء والإنعام قال تعالى ما هو نتيجة ذلك:

{الحمد} أي: الإحاطة بأوصاف الكمال إعداماً وإيجاداً {لله} أي: وحده.

ولما كان الإيجاد من العدم أدل دليل على ذلك قال تعالى دالاً على استحقاقه للمحامد {فاطر السموات والأرض} أي: خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق قاله ابن عباس، أو شاقهما لنزول الأرواح من السماء وخروج الأجساد من الأرض، وعن مجاهد عن ابن عباس ما كنت أدري ما فاطر السموات والأرض حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي: ابتدأتها.

تنبيه: إن جعلت إضافة فاطر محضة كان نعتاً، وإن جعلتها غير محضة كان بدلاً وهو قليل من حيث إنه مشتق.

ولما كانت الملائكة عليهم السلام مثل الخافقين في أن كلا منهم مبدع من العدم على غير مثال سبق من غير مادة وكان لا طريق لعامة الناس إلى معرفتهم إلا الخبر أخبر عنهم بعدما أخبر عما طريقه المشاهدة بقوله تعالى: {جاعل الملائكة رسلاً} أي: وسائط بين الله وبين أنبيائه والصالحين من عباده يبلغون رسالته بالوحي والإلهام والرؤية الصادقة، أو بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه {أولي} أي: أصحاب {أجنحة} يهيئهم لما يراد منهم، ثم وصفها بقوله تعالى: {مثنى} أي: جناحين لكل واحد من صنف منهم {وثلاث} أي: ثلاثة ثلاثة لصنف آخر منهم {ورباع} أي: أربعة أربعة لصنف آخر منهم، فهم متفاوتون بتفاوت ما لهم من المراتب ينزلون بها ويعرجون ويسرعون بها نحو ما وكلهم الله تعالى عليه فيتصرفون فيه على ما أمرهم به، وإنما لم تصرف هذه الصفات لتكرر العدل فيها، وذلك أنها عدلت عن ألفاظ

<<  <  ج: ص:  >  >>