الكفرة فوعدهم الله تعالى ذلك إذا قوي الإسلام والمعنى سيحدث لهم في القلوب مودة وإمّا أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم الله إلى خلقه بما يظهر من حسناتهم، وروي عن كعب قال مكتوب في التوراة لا محبة لأحدٍ في الأرض حتى يكون ابتداؤها من السماء من الله عز وجل ينزلها على أهل السماء ثم على أهل الأرض ومصداق ذلك في القرآن قوله سيجعل لهم الرحمن ودّاً وقال أبو مسلم معناه يهب لهم ما يحبون والودّ والمحبة سواء، ولما ذكر سبحانه وتعالى في هذه السورة التوحيد والنبوّة والحشر والردّ على فرق المبطلين بيّن تعالى أنه يسر ذلك بلسان نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:
{فإنما يسرناه} أي: القرآن {بلسانك} أي: العربي أي: لولا أنه تعالى نقل قصصهم إلى اللغة العربية لما تيسر ذلك لك {لتبشر به المتقين} أي: المؤمنين {وتنذر} أي: تخوّف {به قوماً لدّاً} جمع ألد أي: جدل بالباطل وهم كفار مكة ثم إنه تعالى ختم السورة بموعظة عظيمة بليغة فقال تعالى:
{وكم} أي: كثيراً {أهكلنا قبلهم من قرن} أي: أمّة من الأمم الماضية بتكذيب الرسل لأنهم إذا تأمّلوا وعلموا أنه لا بدّ من زوال الدنيا وأنه لا بدّ فيها من الموت وخافوا سوء العاقبة في الآخرة كانوا إلى الحذر من المعاصي أقرب. ثم أكد ذلك بقوله تعالى {هل تحس} أي: ترى وقيل: تجد {منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً} أي: صوتاً خفياً لا قال الحسن بادوا جميعاً فلم يبق منهم عين ولا أثر أي: فكما أهلكنا أولئك نهلك هؤلاء.
تنبيه: الركز الصوت الخفي دون نطق بحروف ولا فم ومنه ركز الرمح أي: غيبه في الأرض وأخفاه ومنه الركاز وهو المال المدفون لخفائه واستتاره، والحديث الذي ذكره البيضاوي تبعاً للزمخشري وهو «من قرأ سورة مريم أعطى عشر حسنات بعدد من كذب زكريا وصدّق به ويحيى ومريم وعيسى وسائر الأنبياء المذكورين فيها وبعدد من دعا الله في الدنيا ومن لم يدع الله تعالى» حديث موضوع.
[سورة طه]
مكية
وهي مائة وخمس وثلاثون آية وعدد كلماتها ألف وثلاثمائة وإحدى وأربعون كلمة وعدد حروفها خمسة آلاف ومائتان واثنان وأربعون حرفاً وعن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت السورة التي ذكرت فيها البقرة من الذكر الأوّل وأعطيت طه ويس والطواسين من ألواح موسى وأعطيت فواتيح القرآن وخواتيم السورة التي ذكرت فيها البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة» .
{بسم الله} الملك الحق المبين {الرحمن} الذي عمّ نعمه على خلقه أجمعين {الرحيم} الذي خص بجنته عباده المؤمنين وقرأ
{طه} شعبة وحمزة والكسائي بإمالة الطاء والهاء ووافقهم ورش وأبو عمرو على إمالة الهاء محضة ولم يمل ورش محضة إلا هذه الهاء وقد تقدّم الكلام في الحروف المقطعة في أوّل سورة البقرة وفي هذه ههنا قولان: الصحيح أنها من تلك وقيل: إنها كلمة مفيدة أما على القول الأوّل فقد تقدّم الكلام فيه في أوّل سورة البقرة والذي زادوه هنا أمور:
أحدها: قال الثعالبي: الطاء شجرة طوبى والهاء الهاوية فكأنه أقسم بالجنة والنار.