للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إنك أنت علام الغيوب} تقرير لجملتي {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} باعتبار منطوق {إنك أنت علام الغيوب} ومفهومه لأنه يدل بمنطوقه على أنه تعالى لا يعلم الغيب غيره فيكون تقريراً لقوله تعالى: {ولا أعلم ما في نفسك} وقرأ حمزة وشعبة بكسر الغين والباقون بالضم.

{ما قلت لهم إلا ما أمرتني به} وهو {أن اعبدوا الله ربي وربكم} أي: فأنا وإياهم في العبودية سواء {وكنت عليهم شهيداً} أي: رقيباً أمنعهم مما يقولون {ما دمت فيهم فلما توفيتني} بالرفع إلى السماء لقوله تعالى: {إني متوفيك ورافعك إليّ} (آل عمران، ٥٥) والتوفّي أخذ الشيء وافياً والموت نوع منه قال الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} (الزمر، ٤٢) {كنت أنت الرقيب} أي: الحفيظ {عليهم} أي: لأعمالهم {وأنت على كل شيء} من قولي وقولهم وغير ذلك {شهيد} أي: مطلع عالم به.

{إن تعذبهم} أي: من أقام على الكفر منهم {فإنهم عبادك} وأنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك {وإن تغفر لهم} أي: لمن آمن منهم {فإنك أنت العزيز} أي: الغالب على أمره {الحكيم} في صنعه فإن عذبت فعدل، وإن عفوت ففضل.

{قال الله} تعالى {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} أي: في الدنيا كعيسى فإنّ النافع ما كان حال التكليف لا صدقهم في الآخرة، وقرأ نافع بنصب الميم على أنه ظرف لقال وخبر هذا محذوف، والمعنى: هذا الذي من كلام عيسى عليه السلام واقع يوم ينفع، والباقون بالرفع على الخبر، وقيل: أراد بالصادقين النبيين، وقال الكلبي: ينفع المؤمنين إيمانهم، وقال قتادة: متكلّمان يخطبان يوم القيامة عيسى عليه الصلاة والسلام وهو ما قصّ الله تعالى وعدوّ الله إبليس، وهو قوله تعالى: وقال الشيطان لما قضي الأمر فصدق عدوّ الله يومئذٍ، وكان كاذباً فلم ينفعه صدقه.

قال: ولما كان عيسى صادقاً في الدنيا والآخرة نفعه صدقه. ثم بيّن تعالى ثوابهم فقال: {لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} وأكد معنى ذلك بقوله تعالى: {أبداً} ولما كان ذلك لا يتمّ إلا برضا الله تعالى قال: {رضي الله عنهم} بطاعته {ورضوا عنه} بثوابه {ذلك} أي: هذا الأمر العليّ لا غيره {الفوز العظيم} وأمّا الكاذبون في الدنيا فلا ينفعهم صدقهم في ذلك اليوم كالكفار لما يؤمنون عند رؤية العذاب.

{ملك السموات والأرض} أي: خزائن المطر والنبات والرزق وغيرها {وما فيهنّ} من إنس وجنّ وملك وغيرهم ملكاً وخلقاً، وأتى بما دون من تغليباً لغير العاقل {وهو على كل شيء قدير} ومنه إثابة الصادق وتعذيب الكاذب، قال السيوطي: وخصّ العقل ذاته فليس عليها بقادر، وقوله البيضاوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة المائدة أعطي من الأجر عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات بعدد كل يهودي ونصراني يتنفس في الدنيا» حديث موضوع.

[سورة الأنعام]

مكية

روي أنها نزلت بمكة جملة واحدة ليلاً ونزل معها سبعون ألف ملك قد سدّوا ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتمجيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سبحان ربي العظيم» وخرّ

<<  <  ج: ص:  >  >>