فليس له من يقوم بأمره من بعده فنزلت.
وقيل: لما أوحى الله تعالى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا قريش إلى الإيمان قالوا: أبتر منا محمد، أي: خالفنا وانقطع عنا فنزلت.
تنبيه: قال أهل العلم قد احتوت هذه السورة على قصرها على معان بليغة وأساليب بديعة منها دلالة استهلال السورة على أنه تعالى أعطاه كثيراً من كثير ومنها إسناد الفعل إلى المتكلم المعظم نفسه، ومنها إيراده بصيغة الماضي تحقيقاً لوقوعه كما في قوله تعالى: {أتى أمر الله} (النحل: ١)
ومنها: تأكيد الجملة بأن. ومنها بناء الفعل على الاسم ليفيد الإسناد مرّتين.
ومنها: الإتيان بصيغة تدل على مبالغة الكثرة.
ومنها: حذف الموصوف بالكوثر لأنّ في حذفه من فرط الشياع والإبهام ما ليس في إثباته، ومنها تعريفه بأل الجنسية الدالة على الاستغراق.
ومنها: فاء التعقيب الدالة على السبب فإنّ الإنعام سبب للشكر والعبادة، ومنها التعريض بمن كانت صلاته ونحره لغير الله تعالى، ومنها أنّ الأمر بالصلاة إشارة إلى الأعمال الدينية التي الصلاة قوامها وأفضلها والأمر بالنحر إشارة إلى الأعمال البدينة التي النحر أسناها، ومنها حذف متعلق انحر إذ التقدير فصل لربك وانحر له، ومنها مراعاة السجع فإنه من صناعة البديع العاري عن التكلف، ومنها قوله تعالى: {لربك} في الإتيان بهذه الصفة دون سائر صفاته الحسنى دلالة على أنه المربي له والمصلح بنعمه، فلا يلتمس كل خير إلا منهن ومنها الالتفات من ضمير المتكلم إلى الغائب في قوله تعالى: {لربك} ومنها الأمر بترك الاهتمام بشانئه للاستئناف، وجعله خاتمة للإعراض عن الشانئ، ولم يسمه ليشمل كل من اتصف بهذه الصفة القبيحة، ولو كان المراد شخصاً معيناً لعينه الله تعالى.
ومنها: التنبيه بذكر هذه الصفة القبيحة على أنه لم يتصف إلا بمجرّد قيام الصفة به من غير أن تؤثر فيمن يشنؤه شيئاً البتة، لأنّ من يشنأ شخصاً قد يؤثر شنؤه شيئاً.
ومنها: تأكيد الجملة بأن المؤذنة بتأكيد الخبر، ولذلك يتلقى بها القسم وتقدير القسم يصلح هنا. ومنها الإتيان بضمير الفصل المؤذن بالاختصاص والتأكيد إن جعلنا فصلاً، وإن جعلناه مبتدأ فكذلك يفيد التأكيد؛ إذ يصير الإسناد مرّتين.
ومنها: تعريف الأبتر بأل المؤذنة بالخصوصية بهذه الصفة كأنه قيل: الكامل في هذه الصفة. ومنها إقباله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بالخطاب من أوّل السورة إلى آخرها. وقول البيضاويّ تبعاً للزمخشريّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الكوثر سقاه الله من كل نهر في الجنة، ويكتب له عشر حسنات بعدد كل قربان قرّبه العباد في يوم النحر، أو يقرّبونه» حديث موضوع.
سورة الكافرون مكية
في قول ابن مسعود والحسن وعكرمة، ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك، وتسمى أيضاً سورة المعابدة والإخلاص لأنها في إخلاص العبادة والدين كما أن {قل هو الله أحد} في إخلاص التوحيد، واجتماع النفاق فيهما محال لمن اعتقدهما وعمل بهما. ويقال لها ولسورة الإخلاص: المقشقشتان، أي: المبرئتان من النفاق. قال الشاعر:
*أعيذك بالمقشقشتين مما ... أحاذره ومن نظر العيون*