بلغتهم، فبيّن أنه تعالى سمّاهم بذلك لهذا الغرض، وهذا لا يليق إلا بالله تعالى، وإنما كانوا شهداء على الناس لسائر الأنبياء؛ لأنهم لم يفرقوا بين أحد منهم وعلموا أنّ أخبارهم من كتابهم على لسان نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم فلذلك صحت شهادتهم وقبلها الحكم العدل وعن كعب أعطيت هذا الأمة ثلاثاً لم يعطهن إلا الأنبياء: جعلهم شهداء على الناس وما جعل عليهم في الدين من حرج، وقال تعالى:{ادعوني أستجب لكم} ، وعن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال: لم يذكر الله بالإيمان والإسلام غير هذه الأمّة ذكرها بهما وكرّرهما جميعاً، ولم يسمع بأمة ذكرت بالإسلام والإيمان غيرها وعن مكحول أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«تسمى الله عز وجل باسمين سمى بهما أمّتي؛ هو السلام وسمى أمتي المسلمين، وهو المؤمن وسمى أمتي المؤمنين» .
تنبيه: في الآية دليل على أنّ شهادة غير المسلم ليست مقبولة، ولما ندبهم تعالى ليكونوا خير الأمم تسببب عن ذلك قوله تعالى:{فأقيموا الصلاة} التي هي أركان قلوبكم وصلة ما بينكم وبين ربكم أي: داوموا عليها {وآتوا الزكاة} التي هي طهرة أبدانكم، وصلة بينكم وبين إخوانكم {واعتصموا بالله} أي: المحيط بجميع صفات الكمال في جميع ما أمركم به من المناسك التي تقدمت وغيرها، ثم علل تعالى أهليته بقوله تعالى:{هو} أي: وحده {مولاكم} أي: المتولي لجميع أموركم فهو ينصركم على كل من يعاديكم بحيث أنّ تتمكنوا من إظهار هذا الدين من مناسك الحج وغيرها، ثم علل الأمر بالاعتصام وتوحده بالولاية بقوله تعالى:{فنعم المولى} أي: هو {ونعم النصير} أي: الناصر لكم لأنه تعالى إذا تولى أحداً كفاه كل ما أهمه وإذا نصر أحد أعلاه عن كل من خاصمه «ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببت الحديث إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، وهذا نتيجة التقوى، وما قبله من أفعال الطاعة دليلها فقد انطبق آخر السورة على أوّلها ورد مقطعها على مطلعها، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي» حديث موضوع.
[سورة المؤمنين]
مكية
وهي مائة وثمان أو تسع عشرة آية، وألف وثمانمائة وأربعون كلمة، وأربعة آلاف وثمانمائة حرف
{بسم الله} الذي له الأمر كله {الرحمن} الذي عم إنعامه {الرحيم} الذي خص من أراد بالإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دويّ كدويّ النحل، فأنزل عليه يوماً فمكث ساعة حتى سرّي عنه، فاسقبل القبلة ورفع يديه فقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم أرضنا وارض عنا، ثم قال: لقد أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة» ، ثم قرأ:
{قد أفلح المؤمنون} حتى ختم العشرة آيات، قال ابن عباس: قد سعد المصدّقون بالتوحيد وبقوا في الجنة، وقيل: الفلاح البقاء والنجاة، روى هذا الحديث الترمذي وغيره وأنكره النسائي