تكراراً؟ أجيب: بأنّ من دخل في دينه ظاهراً قد يكون مؤمناً وقد لا يكون، فالمعنى ولمن دخل دخولاً مع تصديق القلب. {وللمؤمنين والمؤمنات} خص نفسه أوّلاً بالدعاء، ثم من يتصل به لأنهم أولى وأحق بدعائه، ثم عمم المؤمنين والمؤمنات إلى يوم القيامة، قاله الضحاك. وقال الكلبي: من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: من قومه والأوّل أولى وأظهر.
ثم ختم الكلام مرّة أخرى بالدعاء على الكافرين فقال:{ولا تزد الظالمين} أي: العريقين في الظلم في حال من الأحوال {إلا تباراً} أي: هلاكاً مدمراً والمراد بالظالمين الكافرون، فهي عامة في كل كافر ومشرك. وقيل: أراد مشركي قومه. وتباراً مفعول ثان والاستثناء مفرغ. وقيل: الهلاك الخسران.
وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح عليه السلام» حديث موضوع.
[سورة الجن]
وتسمى سورة قل أوحي مكية
وهي ثمان وعشرون آية، ومائتان وخمسوثمانون كلمة، وثمانمائة وسبعون حرفاً
{بسم الله} المحيط بالكمال {الرحمن} الذي عمّ برحمته الناس بالإرسال {الرحيم} الذي خص من بين أهل الدعوة من شاء بمحاسن الأعمال.
ولما كان نوح عليه السلام أوّل رسول أرسله الله تعالى إلى المخالفين من أهل الأرض، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فهو آخر رسول بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض وغيرهم ناسب ذكره بعد نوح، فقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
{قل} أي: يا أشرف الرسل للناس {أوحي إليّ} وقال ابن عباس: قل يا محمد لأمّتك: أوحي إليّ على لسان جبريل {أنه استمع نفر من الجنّ} والنفر الجماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة قال البغوي: وكانوا تسعة من جنّ نصيبين، وقيل: كانوا سبعة وفي هذه العبارة دليل على أنه صلى الله عليه وسلم ما رآهم ولا قرأ عليهم، وإنما اتفق حضورهم عند قراءته ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال:«انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسل عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب فقالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمرّ النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو وأصحابه بنخلة قاصدين سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له قالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء» . وهل هذا الاستماع هو المذكور في الأحقاف أو غيره؟ قال أبو حيان: المشهور أنه هو. وقيل: غيره، والجنّ الذين أتوه جنّ نصيبين والذين أتوه بنخلة جنّ نينوى، والسورة التي استمعوها قال عكرمة العلق، وقيل: الرحمن، ولم يذكر هنا ولا في الأحقاف أنه رآهم.
وعن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أتلو القرآن على الجنّ، فمن يذهب؟ فسكتوا ثم قال الثانية، فسكتوا ثم قال الثالثة، فقلت: أنا أذهب معك يا رسول الله. قال: فانطلق حتى جاء الحجون عند شعب بن أبي ذئب خط عليّ خطاً فقال: لا تجاوزه ثم مضى إلى الحجون فانحدروا عليه