بالغ الخبرة والعلم ظاهراً وباطناً {بما تعملون} أي: توقعون عمله في الماضي والحال والمآل كله باطنه وظاهره.
وقرأ شعبة بالياء التحتية على الغيبة على الخبر عمن مات، وقال هذه المقالة، والباقون بالفوقية على الخطاب. وما قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال:«من قرأ سورة المنافقين بريء من النفاق» حديث موضوع.
[سورة التغابن]
مدنية
في قول الأكثرين، وقال الضحاك: مكية، وقال الكلبي: مدنية ومكية. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن سورة التغابن نزلت بمكة إلا آيات من آخرها نزلت بالمدنية في عوف بن مالك الأشجعي، شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده، فأنزل الله عز وجلّ {يا أيها الذين آمنوا إنّ من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم} إلى آخرها، وهي ثماني عشرة آية، ومائتان وإحدى وأربعون كلمة، وألف وسبعون حرفاً.
{بسم الله} مالك الملك فلا كفء له ولا مثيل {الرحمن} أي: الذي وسع الخلائق بره الجليل {الرحيم} الذي خص من عمه فوفقهم للجميل.
{يسبح} أي: يوقع التنزيه التامّ مع التجديد والاستمرار {لله} أي: الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال {ما في السموات} أي: كلها {وما في الأرض} كذلك، وقيل: اللام زائدة، أي: ينزه الله تعالى، قال الجلال المحلي: وأتى بما دون من تغليباً للأكثر {له} أي: وحده {الملك} أي: كله مطلقاً في الدنيا والآخرة {وله} أي: وحده {الحمد} أي: الإحاطة بأوصاف الكمال كلها، فلذلك نزهه جميع مخلوقاته وقدّم الظرفين ليدل بتقديمهما على معنى اختصاص الملك والحمد بالله تعالى، وذلك بأنّ الملك على الحقيقة له، لأنه مبدئ كل شيء ومبدعه، والقائم به والمهيمن عليه، وكذا الحمد لأنّ أصول النعم وفروعها منه وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء وحمده اعتداد بأنّ نعمة الله جرت على يده {وهو على كل شيء قدير}
{هو} أي: وحده {الذي خلقكم} أي: أنشأكم على ما أنتم عليه {فمنكم} أي: فتسبب عن خلقه لكم وتقديره {كافر} أي: عريق في صفة الكفر {ومنكم مؤمن} أي: راسخ في الإيمان في حكم الله تعالى في الأزل، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنّ الله خلق بني آدم مؤمناً وكافراً، ويعيدهم في القيامة مؤمناً وكافراً.
وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال:«خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية فذكر شيئاً مما يكون فقال: تولد الناس على طبقات شتى، يولد الرجل مؤمناً ويعيش مؤمناً ويموت مؤمناً، ويولد الرجل كافراً ويعيش كافراً ويموت كافراً، ويولد الرجل كافراً ويعيش كافراً ويموت مؤمناً» ، أي: وسكت عن القسم الآخر، وهو أن يولد الرجل مؤمناً ويعيش مؤمناً ويموت كافراً اكتفاء بالمقابل، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «خلق الله تعالى فرعون في بطن أمّه كافراً، وخلق يحيى بن زكريا عليهما السلام في بطن أمّه مؤمناً وفي الصحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل