ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب. وعن ابن مسعود أنه قرأ هذه الآية فقال: أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة؟ قلنا: لا. قال: لأنّ الدنيا أحضرت، وعجل لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذاتها وبهجتها، وأنّ الآخرة نعتت لنا وزويت عنا فأحببنا العاجل وتركنا الآجل.
والإشارة في قوله تعالى:{إنّ هذا لفي الصحف الأولى} إلى قوله {قد أفلح من تزكى} إلى قوله {خير وأبقى} ، أي: هذا الكلام وارد في تلك الصحف. وقيل: إلى ما في السورة كلها، وهو رواية عكرمة عن ابن عباس. وقال الضحاك: إنّ هذا القرآن لفي الصحف الأولى ولم يرد أنّ هذه الألفاظ بعينها في تلك الصحف، وإنما معناه أنّ معنى هذا الكلام في تلك الصحف.
ثم بين تلك الصحف وهي المنزلة قبل القرآن بقوله تعالى:
{صحف إبراهيم} وقدمه لأنّ صحفه أقرب إلى الوعظ كما نطق به حديث أبي ذر {وموسى} وختم به لأنّ الغالب على كتابة الأحكام والمواعظ فيه قليلة، ومنها الزواجر البليغة كاللعن لمن خالف أوامر التوراة التي أعظمها البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وروي عن أبيّ بن كعب «أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أنزل الله تعال من كتاب؟ فقال: مائة وأربعة كتب، منها على آدم عشر صحف وعلى شيث خمسون صحيفة، وعلى اخنوخ وهو إدريس ثلاثون صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان» . وقيل: في صحف إبراهيم ينبغي للعاقل أن يكون حافظاً للسانه. عارفاً بزمانه، مقبلاً على شأنه. وعن عائشة قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما ب {سبح اسم ربك الأعلى} و {قل يا أيها الكافرون} وفي الوتر ب {قل هو الله أحد} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} » .
وقرأ الأعلى، فسوى، المرعى، أحوى، فلا تنسى، وما يخفى، من يخشى، الأشقى، ولا يحيى، من تزكى، فصلى، الدنيا، وأبقى، الأولى، وموسى حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وقرأ ورش وأبو عمرو بين بين، والفتح عن ورش قليل، أمّا الأعلى الذي، والأشقى الذي إذا وقف عليهما فالإمالة، وإن وصلا فلا إمالة والباقون بالفتح. وقرأ: الذكرى، الكبرى، أبو عمرو والكسائي بالإمالة محضة. وقرأ ورش بين اللفظين والباقون بالفتح، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الأعلى أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل حرف أنزله الله تعالى على إبراهيم وموسى ومحمد عليهم السلام» . حديث موضوع.
[سورة الغاشية]
مكية بالإجماع
وهي ست وعشرون آية واثنان وتسعون كلمةوثلاثمائة وإحدى وثمانون حرفاً
{بسم الله} علام الغيوب {الرحمن} كاشف الكروب {الرحيم} الذي خص أولياءه بالعفو عن الذنوب.
وقوله سبحانه وتعالى:{هل أتاك حديث الغاشية} فيه وجهان: أحدهما: أنّ هل بمعنى قد، أي: قد جاءك يا أشرف الخلق حديث الغاشية، كقوله تعالى:{هل أتى على الإنسان حين من الدهر}(الإنسان: ١)
. قال قطرب: والثاني: أنه استفهام على حاله، وتسميه أهل البيان التشويق، والمعنى: إن لم يكن أتاك حديث الغاشية فقد أتاك وهو معنى قول الكلبي، والغاشية: الداهية التي تغشى الناس