ذكراها لهم وتبيين وقتها في شيء. وعن عائشة رضي الله عنها «لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت» فهو على هذا تعجب من كثرة ذكره لها، كأنه قيل: في أيّ شغل واهتمام أنت من ذكراها والسؤال عنها، والمعنى: أنهم يسألونك عنها فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها.
{إلى ربك} أي: المحسن إليك بأنواع النعم {منتهاها} أي: منتهى علمها لم يؤت علمها أحداً من خلقه كقوله تعالى: {إنما علمها عند ربي} (الأعراف: ١٨٧)
وقوله تعالى: {إنّ الله عنده علم الساعة} (لقمان: ٣٤)
قال القرطبي: ويجوز أن يكون إنكاراً على المشركين في مسألتهم، أي: فيم أنت من ذلك حتى يسألونك، بيانه: ولست ممن يعلمه. روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل: الوقف على قوله تعالى: {فيم} وهو خبر مبتدأ مضمر أي: فيم هذا السؤال، ثم يبتدأ بقوله تعالى: {أنت من ذكراها} أي: أرسلناك وأنت خاتم الأنبياء وآخر الرسل المبعوث في فم الساعة ذكر من ذكراها وعلامة من علاماتها فكفاهم بذلك دليلاً على دنوّها ومشارفتها ووجوب الاستعداد لها، ولا معنى لسؤالهم عنها.
{إنما أنت} أي: يا أشرف الرسل {منذر} أي: إنما بعثت لإنذار {من يخشاها} أي: لتخويف من يخاف هولها، وهو لا يناسب تعيين الوقت وتخصيص من يخشى؛ لأنه المنتفع به، أي: إنما ينفع إنذارك من يخافها وإن كنت منذر الكل مكلف.
{كأنهم} قال البغوي: يعني: كفار قريش {يوم يرونها} أي: يعلمون قيام الساعة علماً هو كالرؤية ويرون ما يحدث فيها بعد سماع الصيحة وقيامهم من القبور مع علمهم بما مرّ من زمانهم وما أتى فيه {لم يلبثوا} أي: في الدنيا أو في القبور {إلا عشية} أي: من الزوال إلى غروب الشمس {أو ضحاها} أو ضحى عشية من العشايا وهو البكرة إلى الزوال، والعشية بعد ذلك أضيف إليها الضحى؛ لأنها من النهار، والإضافة تحصل بأدنى ملابسة، وهي هنا كونهما من نهار واحد، فالمراد ساعة من نهار من أوّله أو آخره لم يستكملوا نهاراً تامّاً، ولم يجمعوا بين طرفيه، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع» .
فإن قيل: هلا قال: إلا عشية أو ضحى، وما فائدة الإضافة؟ أجيب: بأنّ ذلك للدلالة على أنّ مدة لبثهم كأنها لم تبلغ يوماً كاملاً، ولكن ساعة منه عشيته أو ضحاه، فلما ترك اليوم أضافه على عشيته فهو كقوله تعالى: {لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} (الأحقاف: ٣٥)
وحسن الإضافة وقوع الكلمة فاصلة.
تنبيه: قرأ {حديث موسى} ، {طوى} ، {طغى} ، {تزكى} ، {فتخشى} ، {وعصى} ، {يسعى} ، {فنادى} ، {الأعلى} ، {والأولى} ، {يخشى} ، {ما سعى} ، {طغى} ، {الدنيا} ، {المأوى} ، {عن الهوى} ، {المأوى} ، حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وورش وأبو عمرو بين وبين، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين. وقرأ {فأراه الآية الكبرى} ، {الطامّة الكبرى} {لمن يرى} ، {من ذكراها} ، أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة محضة، وقرأ ورش بين اللفظين والباقون بالفتح في الجميع.
وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة والنازعات كان ممن حبسه الله تعالى في القبر والقيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة مكتوبة» حديث موضوع.
[سورة عبس]
مكية وتسمى سورة السفرة
وهي اثنان وأربعون آية ومائة وثلاثون كلمة وثلاثمائة وثلاثون حرفاً