يريد زبانية جهنم سموا بها لأنهم يدفعون أهل النار إليها بشدّة، جمع زبني مأخوذ من الزبن وهو الدفع. وقال الزمخشري: الزبانية في كلام العرب الشُّرط الواحد زبنية. وقال الزجاج: هم الملائكة الغلاظ الشداد. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله تعالى. وروي «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه السورة وبلغ إلى قوله تعالى: {لنسفعاً بالناصية} قال: أبو جهل: أنا أدعو قومي حتى يمنعوا عني ربك» . قال الله تعالى:{فليدع ناديه سندع الزبانية} فلما ذكر الزبانية رجع فزعاً، فقيل: له: خشيت منه؟ قال: لا ولكن رأيت عنده فارساً وهدّدني بالزبانية فلا أدري الزبانية، ومال إليّ الفارس فخشيت منه أن يأكلني. قال ابن عباس رضي الله عنهما: والله لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته» .
وقوله تعالى:{كلا} ردع لأبي جهل، أي: ليس الأمر على ما يظنه أبو جهل {ولا تطعه} أي: فيما دعاك إليه من ترك الصلاة كقوله تعالى: {ولا تطع المكذبين} وقوله تعالى: {واسجد} يحتمل أن يكون بمعنى السجود في الصلاة، وأن يكون سجود التلاوة في هذه السورة، ويدل لهذا ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في {إذا السماء انشقت}(الانشقاق: ١)
وفي {اقرأ باسم ربك الذي خلق} سجدتين، وهذا نص أن المراد سجود التلاوة، ويدل للأوّل قوله تعالى:{أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى} إلى قوله تعالى: {كلا لا تطعه واسجد} أي: ودم على سجودك. قال الزمخشري: يريد الصلاة لأنه لا يرى سجود التلاوة في المفصل والحديث عليه. {واقترب} أي: وتقرّب إلى ربك بطاعته وبالدعاء إليه. قال صلى الله عليه وسلم «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن ـ أي: فحقيق ـ أن يستجاب لكم» . «وكان صلى الله عليه وسلم يكثر في سجوده من البكاء والتضرّع حتى قالت عائشة رضي الله عنها: قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر فما هذا البكاء في السجود؟ وما هذا الجهد الشديد؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً» . وفي رواية:«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء» . وقرأ ليطغى، واستغنى، إذا صلى، على الهدى، بالتقوى، وتولى حمزة والكسائي جميع ذلك بالإمالة محضة، وورش وأبو عمرو بين بين والفتح عن ورش قليل، والباقون بالفتح. وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة العلق أعطي من الأجر كأنما قرأ المفصل كله» حديث موضوع.
سورة القدر مدنية
في قول أكثر المفسرين، وحكى الماوردي عكسه، وذكر الواحدي أنها أوّل سورة نزلت بالمدينة وهي خمس آيات وثلاثون كلمة ومائة واثنتا عشر حرفاً.
{بسم الله} الملك الأعظم الذي لا يعبد إلا إياه {الرحمن} الذي عمّ بجوده جميع خلقه أقصاه وأدناه {الرحيم} الذي قرّب أهل طاعته وأبعد من عداهم وأشقاه.
وقوله تعالى:{إنا أنزلناه} أي: بما لنا من العظمة، أي: القرآن فيه تعظيم له من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه أسند إنزاله إليه وجعله مختصاً به دون غيره.
والثاني: أنه جاء بضميره دون اسمه الظاهر شهادة له بالنباهة والاستغناء عن