من تعزز في الدنيا على الحق ذل في الآخرة، ومن ذل للحق في الدنيا عز في الآخرة.
{ذلك} أي: الأمر الذي هو في غاية ما يكون من علوّ الرتبة في العظمة {اليوم الذي كانوا يوعدون} أي: يوعدون في الدنيا أنّ لهم فيه العذاب، وأخرج الخبر بلفظ الماضي؛ لأنّ ما وعد الله تعالى به فهو حق كائن لا محالة، وهذا هو العذاب الذي سألوا عنه أوّل السورة، فقد رجع آخرها على أوّلها.
وما قاله البيضاويّ تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال:«من قرأ سورة سأل سائل أعطاه الله تعالى ثواب الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون» . حديث موضوع.
[سورة نوح]
عليه السلام مكية
وهي سبع وعشرون آية، ومائتان وأربعوعشرون كلمة، وتسعمائة وتسعة وعشرون حرفاً
{بسم الله} ذي الجلال والإكرام {الرحمن} الذي عمّ بما أفاضه من ظاهر الإنعام {الرحيم} الذي حفظ أولياءه من الابتداء إلى الختام.
ولما ختمت سأل بالإنذار للكفار وكانوا عباد أوثان بعذاب الدنيا والآخرة أتبعها أعظم عذاب كان في الدنيا على تكذيب الرسل بقصة نوح عليه السلام فقال تعالى:
{إنا} أي: بما لنا من العظمة البالغة {أرسلنا نوحاً إلى قومه} أي: الذين كانوا في غاية القوّة على القيام بما يحاولونه وهم بصدد أن يجيبوه ويكرموه لما بينهم من القرب بالنسب واللسان، وكانوا جميع أهل الأرض من الآدميين، روى قتادة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أول نبي أرسل نوح عليه السلام» وأرسل إلى جميع أهل الأرض ولذلك لما كفروا أغرق الله تعالى أهل الأرض جميعاً، وهو نوح بن لمك بن متوشلح بن أخنوخ، وهو إدريس بن يرد بن مهلاييل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم عليه السلام. قال وهب: وكل مؤمنون أرسل إلى قومه وهو ابن خمسين سنة. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: وهو ابن أربعين سنة. وقال عبد الله بن شداد: بعث وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة.
ويجوز في قوله تعالى:{أن أنذر} أي: حذر تحذيراً عظيماً {قومك} أي: الاستمرار على الكفر أن تكون أن مفسرة فلا يكون لها من الإعراب لأن في الإرسال معنى الأمر فلا حاجة إلى إضمار، ويجوز أن تكون المصدرية أي: أرسلناه بالإنذار. قال الزمخشري: والمعنى أرسلناه بأن قلنا له أنذر قومك أي: أرسلناه بالأمر بالإنذار ا. هـ. وهذا الذي قدره جواب عن سؤال وهو أنّ قولهم إنّ أن المصدرية يجوز أن توصل بالأمر مشكل؛ لأنه ينسبك منها ومما بعدها مصدر وحينئذ فتفوت الدلالة على الأمر ألا ترى أنك إذا قدرت كتبت إليه بأن قم: كتبت إليه القيام تفوت الدلالة على الأمر حال التصريح بالمصدر فينبغي أن يقدر كما قاله الزمخشري أي: كتبت إليه بأن قلت له: قم، أي: كتبت إليه بالأمر بالقيام.
وقال القرطبي: أي بأن أنذر قومك {من قبل أن يأتيهم} أي: على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة {عذاب أليم} أي: عذاب الآخرة أو الطوفان {قال} أي: نوح عليه السلام {يا قوم} فاستعطفهم بتذكيرهم أنه أحدهم يهمه ما يهمهم {إني لكم نذير} أي: مبالغ في إنذاركم {مبين} أي: أمري بين في نفسه بحيث إنه صار في شدة وضوحه كأنه مظهر لما يتضمنه