اليقظة التي هي كالحياة فاستحب له أن يستقبل حالة الانتباه من النوم، وهو وقت الحياة من موت النوم بالذكر ليكون أوّل أعماله ذكر الله تعالى، وأما وقت الآصال وهو آخر النهار فإن الإنسان يريد أن يستقبل النوم الذي هو أخو الموت فيستحب الذكر؛ لأنها حالة تشبه الموت، ولعله لا يقوم من تلك النومة، فيكون موته على ذكر الله تعالى، وهو المراد من قوله تعالى:{ولا تكن من الغافلين} عن ذكر الله.
وقيل: إنما خصا بالذكر؛ لأنّ الصلاة بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر مكروهة، واستحب للعبد أن يذكر الله تعالى فيهما ليكون في جميع أوقاته مشتغلاً بما يقرّبه إلى الله تعالى من صلاة وذكر، وقيل: إنّ أعمال العباد تصعد أوّل النهار وآخره، فيصعد عمل الليل عند صلاة الفجر، ويصعد عمل النهار بعد العصر إلى الغروب، فاستحب له الذكر فيهما ليكون ابتداء عمله بالذكر وختامه بالذكر.
{إنّ الذين عند ربك} أي: الملائكة المقرّبين بالفضل والكرامة {لا يستكبرون} أي: لا يتكبرون {عن عبادته} لأنهم عبيده خاضعون لعظمته وكبريائه {ويسبحونه} أي: وينزهونه عن جميع النقائص، ويقولون: سبحان الله ربنا {وله يسجدون} أي: ويخضعون له بالعبادة والتذلل لا يشركون به غيره، وفي هذا إشارة إلى أنّ الأعمال تنقسم إلى قسمين: أعمال القلوب وأعمال الجوارح، فأعمال القلوب هي تنزيه الله تعالى عن كل ما سواه، وهو الاعتقاد القلبي عبر عنه بقوله:{ويسبحونه} وعبر عن أعمال الجوارح بقوله: {وله يسجدون} ليوافق الملائكة المقرّبين في عبادتهم، وعن معدان قال: سألت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: حدّثني حديثاً ينفعني الله به قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة» ، وفي رواية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة» ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعاً لمكان جبهته في غير وقت صلاة» ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلتي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار» والحديث الذي ذكره البيضاوي تبعاً للزمخشري وهو: «من قرأ سورة الأعراف جعل الله يوم القيامة بينه وبين إبليس ستراً وكان آدم شفيعاً له يوم القيامة» حديث موضوع.
[سورة الأنفال]
مدنية
وقيل: إلا {وإذ يمكر بك الذين كفروا} الآيات السبع فمكية، وهي خمس أو ست أو سبع وسبعون آية، وألف وخمس وسبعون كلمة، وخمسة آلاف وثمانون حرفاً.
{بسم الله} الذي له العظمة الظاهرة والحكمة الباهرة {الرحمن} الذي عم جميع خلقه بنعمه المتواترة {الرحيم} الذي خص من أراد من عباده بما يرضيه فكان حامده وشاكره.
{يسألونك} يا أشرف الخلق يا محمد {عن الأنفال} أي: الغنائم لمن هي؟ وكيف مصرفها؟ وإنما سميت الغنيمة