عليه القراء بما أدى إلى هذا المعنى من رفع كل لأنه لو نصب لأوهم تعلق الجار بالفعل فيوهم أنهم فعلوا في الزبر كل شيء من الأشياء وهو فاسد.
{وكل صغير وكبير} أي: من الخلق وأعمالهم وآجالهم {مستطر} أي: مكتوب في اللوح المحفوظ.
ولما وصف الكفار وصف المؤمنين مؤكداً رداً على المنكر فقال عز من قائل:{إنّ المتقين} أي: العريقين في وصف الخوف من الله الذي وفقهم لطاعته {في جنات} أي: خلال بساتين ذات أشجار تستر داخلها وقوله تعالى: {ونهر} أريد به الجنس: لأن فيها أنهاراً من ماء وعسل ولبن وخمر؛ أفرده لموافقة رؤوس الآي ولشدة اتصال بعضها ببعض فكأنها شيء واحد. والمعنى: أنهم يشربون من أنهارها وقيل: هو السعة والصفاء من النهار.
وكما جعل للمتقين في تلك الدار ذلك جعل لهم في هذه الدار أيضاً جنات العلوم وأنهار المعارف ولهذا كانوا {في مقعد صدق} أي حق لا لغو فيه ولا تأثيم، ولم يقل في مجلس صدق، لأنّ القعود جلوس فيه مكث ومنه قواعد البيت والقواعد من النساء ولذا قال:{عند مليك} أي: ملك تام الملك {مقتدر} أي: قادر لا يعجزه شيء وهو الله تعالى. وعند إشارة للرتبة والكرامة والمنزلة من فضله تعالى، جعلنا الله تعالى ومحبينا منهم.
وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال:«من قرأ سورة القمر في كل غبّ ـ أي يقرأ يوماً ويترك يوماً ـ بعثه الله تعالى يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر» . حديث موضوع.
[سورة الرحمن]
وتسمى عروس القرآن
لأنها مجمع النعم والجمال والبهجة في نوعها والكمال مكية كلها في قول الحسن وعروة وابن الزبير وعطاء وجابر؛ وقال ابن عباس: إلا آية منها وهي: قوله تعالى: {يسأله من في السموات والأرض}(الرحمن: ٢٩)
الآية وقال ابن مسعود ومقاتل: هي مدنية كلها قال ابن عادل: والأوّل أصح لما روى عروة بن الزبير قال: أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود، وذلك أن الصحابة قالوا: ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط فمن رجل يسمعهموه، فقال ابن مسعود: أنا فقالوا نخشى عليك وإنما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه، فأبى ثم قام عند المقام فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {الرحمن علم القرآن} ثم تمادى بها رافعاً صوته وقريش في أنديتها فتأملوا وقالوا: ما يقول ابن أم عبد؟ قالوا: هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه، وصح أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم «قام يصلي الصبح بنخلة فقرأ بسورة الرحمن، ومرّ النفر من الجن فآمنوا به» وهي سبع وثمانون آية وثلاثمائة، وإحدى وخمسون كلمة وألف وستمائة وستة وثلاثون حرفاً.
{بسم الله} الذي ظهرت إحاطة كماله بما ظهر من عجائب مخلوقاته؛ {الرحمن} الذي ظهر عموم رحمته بما بهر من بدائع مصنوعاته؛ {الرحيم} الذي ظهر اختصاصه لأهل طاعته بما تحققوا من الذلّ المفيد للعز بلزوم عباداته.
ولما كانت هذه السورة مقصورة على تعداد النعم الدنيوية والأخروية صدرها بقوله تعالى:
{علم} أي: من شاء {القرآن} وقدم من نعمه الدينية ما هو أعلى مراتبها وأقصى مراقبها وهو إنعامه تعالى بالقرآن العظيم، وتنزيله وتعليمه لأنه أعظم