أفهمته أداة البعد {وأولوا الأرحام} أي: ذووا القرابات {بعضهم أولى ببعض} قال ابن عباس: كانوا يتوارثون بالهجرة والإخاء حتى نزلت هذه الآية فبين الله تعالى بها أن سبب القرابة أقوى وأولى من سبب الهجرة والإخاء ونسخ بها ذلك التوارث وقوله تعالى: {في كتاب الله} أي: في حكمه في اللوح المحفوظ أو القرآن وتمسك أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى بهذه على توريث ذوي الأرحام وأجاب عنه الشافعي رضي الله تعالى عنه بأنه لما قال في كتاب الله كان معناه في حكم الله الذي بينه في سورة النساء، فصارت هذه السورة مقيدة بالأحكام التي ذكرها في سورة النساء في قسمة المواريث وإعطاء أهل الفروض فروضهم وما بقي فللعصبات فوجب أن يكون المراد من هذا هو ذاك فقط فلا يتعدّى إلى توريث ذوي الأرحام ثم قال تعالى في ختم السورة {إن الله بكل شيء عليم} أي: إن هذه الأرحام التي ذكرتها وفصلتها كلها حكمة وصواب وصلاح وليس فيها شيء من العبث والباطل لأنّ العالم بجميع المعلومات لا يحكم إلا بالصواب ونظيره أنّ الملائكة لما قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء قال الله تعالى مجيباً لهم: {إني أعلم ما لا تعلمون} أي: كما علمتم بكوني عالماً بكل المعلومات فاعلموا أنّ حكمي يكون منزهاً عن الغلط فكذا هنا وقول البيضاوي في بعض النسخ تبعاً للزمخشريّ، وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الأنفال وبراءة فأنا شفيع له يوم القيامة وشاهد أنه بريء من النفاق وأعطي
عشر حسنات بعدد كل منافق ومنافقة وكان العرش وحملته يستغفرون له أيام حياته في الدنيا» حديث موضوع.
[سورة التوبة]
مدنية
إلا الآيتين من قوله تعالى:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم} وهي آخر ما نزلت وآيها مائة وثلاثون وقيل: تسع وعشرون، وعدد كلماتها ألفان وأربعمائة وسبع وتسعون كلمة وحروفها عشرة آلاف وثمانمائة وسبعة وثمانون حرفاً، ولها عدّة أسماء: التوبة، براءة، المقشقشة، البحوثة، المبعثرة، المنقرة، المثيرة، الحافرة، المخزية، الفاضحة، المنكلة، المشردة، المدمدمة، سورة العذاب وإنما سميت بذلك لما فيها من التوبة للمؤمنين والقشقشة من النفاق وهي التبرؤ منه والبحث عن حال المنافقين وإثارتها والحفر عنها وما يخزيهم ويفضحهم وينكلهم ويشردهم ويدمدم عليهم ولم تكتب فيها البسملة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك كما يؤخذ من حديث رواه الحاكم وأخرج في معناه عن علي أن البسملة أمان وهي نزلت لرفع الأمن بالسيف، وعن حذيفة إنكم تسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب.
وروى البخاريّ عن البراء أنها آخر سورة نزلت، وقيل: كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه سورة أو آية بين موضعها فتوفي ولم يبيّن موضعها وكانت قصتها تشابه قصة الأنفال وتسامتها؛ لأنّ في الأنفال ذكر العهود وفي براءة نبذها فضمت إليها، قال القاضي: يبعد أن يقال إنه عليه الصلاة والسلام لم يبيّن كون هذه السورة تالية لسورة الأنفال لأنّ القرآن مرتب من قبل الله تعالى ومن قبل رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي نقل ولو جوّزنا في بعض السور أن لا يكون ترتيبها من الله تعالى على سبيل الوحي لجوزنا مثله في سائر السور، وفي آيات السورة الواحدة وذلك يخرجه عن كونه