والحال أنه من {يبحل} بذلك {فإنما يبخل} بماله بخلا ضارّاً {عن نفسه} فإن نفع الإنفاق وضر البخل عائدان إليه والبخل يعدى بعن وعلى لتضمنه معنى الإمساك والتعدّي فإنه إمساك عمن يستحق {والله} أي: الملك الأعظم الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال {الغني} وحده عن نفقتكم {وأنتم} أيها المكلفون خاصة {الفقراء} لاحتياجكم في جميع أحوالكم إليه {وإن تتولوا} عطف على {وإن تؤمنوا وتتقوا}{يستبدل قوماً غيركم} أي: يخلق قوماً سواكم على خلاف صفتكم راغبين في الإيمان والتقوى {ثم لا يكونوا أمثالكم} في التولي عنه والزهد في الإيمان كقوله تعالى {ويأت بخلق جديد} قيل: هم الملائكة. وقيل الأنصار وعن ابن عباس: كندة والنخع وعن الحسن: العجم وعن عكرمة: فارس والروم «وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القوم وكان سلمان إلى جنبه فضرب على فخذه وقال: هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس» رواه الترمذي والحاكم وصححاه وما رواه البيضاويّ تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة محمد كان حقاً على الله تعالى أن يسقيه من أنهار الجنة» حديث موضوع.
{بسم الله} أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلما {الرحمن} الذي عم خلقه بنعمه {الرحيم} الذي خص أهل وداده بمزيد فضله روى زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه، كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسأله عمر عن شيء فلم يجبه. ثم سأله فلم يجبه قال عمر فحركت بعيري حتى تقدّمت أمام الناس وخشيت أن يكون نزل فيّ قرآن فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال:«لقد أنزلت عليّ الليلة سورة هي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ» .
{إنا فتحنا لك} أي: بما لنا من العظمة التي لا تثبت لها الجبال {فتحناً مبينا} أي: لا لبس فيه على أحد. واختلفوا في هذا الفتح فروى عن أنس أنه فتح مكة. وقال مجاهد: فتح خيبر. والأكثرون على أنه صلح الحديبية. قال أنس: نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم إنا فتحنا لك إلى آخر الآية عند مرجعه من الحديبية وأصحابه مخالطوا الحزن والكآبة فقال: «نزلت علي آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعها» فلما تلاها نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم هنيأً مريئاً قد بين الله لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فأنزل الله تعالى: {ليدخل المؤمنين والمؤمنان جنّات تجري من تحتها الأنهار} حتى ختم الآية. وقيل: فتح الروم. وقيل: فتح الإسلام بالحجة والبرهان والسيف واللسان. وقيل: الفتح الحكم لقوله تعالى {فافتح بيننا وبين قومنا بالحق}(سورة الأعراف، آية: ٨٩)
وقوله تعالى {ثم يفتح بيننا بالحق}(سورة سبأ، آية: ٢٦)
فمن قال هو فتح مكة قال لأنه مناسب لآخر السورة التي قبلها من وجوه أحدها أنه تعالى لما قال {ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله} إلى أن قال {ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه} بين تعالى أنه فتح لهم مكة وغنموا ديارهم وحصل