الإنكار دخلت على النفي فرجع إلى معنى التقرير، والمعنى أما لهذا الكافر المكذب مثوى في جهنم حتى اجترأ مثل هذه الجراءة؟.
{والذين جاهدوا} أي: أوقعوا الجهاد بغاية جهدهم على ما دلّ عليه بالمفاعلة {فينا} أي: بسبب حقنا ومراقبتنا خاصة بلزوم الطاعات من جهاد الكفار وغيرهم من كل ما ينبغي الجهاد فيه بالقول والفعل في الشدّة والرخاء ومخالفة الهوى عند هجوم الفتن وشدائد المحن مستحضرين لعظمتنا {لنهدينهم} مما نجعل لهم من النور الذي لا يضل من صحبه هداية تليق بعظمتنا {سبلنا} أي: طريق السير إلينا وهي الطريق المستقيمة والطريق المستقيمة هي التي توصل إلى رضا الله عز وجل، قال سفيان بن عيينة: إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور فإنّ الله تعالى قال {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وقال الحسن: الجهاد مخالفة الهوى، وقال الفضيل بن عياض: والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به، وقال سهل بن عبد الله: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا، وقال أبو سليمان الداراني: والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا، وعن بعضهم: من عمل بما يعلم وفق لما لم يعلم، وقيل: إن الذي نرى من جهلنا بما لم نعلم إنما هو من تقصيرنا فيما نعلم، وقيل: المجاهدة هي الصبر على الطاعة، وقرأ أبو عمرو بسكون الباء الموحدة، والباقون بضمها {وإن الله} أي: بعظمته وجلاله وكبريائه {لمع المحسنين} أي: المؤمنين بالنصرة والمعونة في دنياهم والمغفرة والثواب في عقباهم، وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشريّ من أنه صلى الله عليه وسلم قال:«من قرأ سورة العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المؤمنين والمنافقين» فهو حديث موضوع، ورواه ابن عادل عن أبي أمامة عن أبي بن كعب.
[سورة الروم]
مكية وهي ستون آية، وثمانمائة وتسع عشرة كلمة، وثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وثلاثون حرفاً
{بسم الله} الذي يملك الأمر كله {الرحمن} الذي رحم الخلق كلهم بنصب الدلائل {الرحيم} الذي لطف بأوليائه وقوله تعالى:
{الم} تقدّم الكلام على ذلك في أوّل سورة البقرة، وقال البقاعي: لما ختم سبحانه وتعالى التي قبلها بأنه مع المحسنين قال: {ألم} مشيراً بألف القيام والعلو ولام الوصلة وميم التمام إلى أن الله الملك الأعلى القيوم أرسل جبريل عليه الصلاة والسلام الذي هو وصلة بينه وبين أنبيائه عليهم السلام إلى أشرف خلقه محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث لإتمام مكارم الأخلاق يوحي إليه وحياً معلماً بالشاهد والغائب فيأتي الأمر على ما أخبر به دليلاً على صحة رسالته وكمال علم مرسله وشمول قدرته ووجوب وحدانيته.
{غلبت الروم} وهم أهل كتاب، غلبتهم فارس وليسوا أهل كتاب بل يعبدون الأوثان.
{في أدنى الأرض} أي: أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة، التقى فيها الجيشان والبادي بالغزو الفرس {وهم} أي: الروم {من بعد غلبهم} أضيف المصدر إلى المفعول أي: غلبة فارس إياهم {سيغلبون} فارس.
{في بضع سنين} وهو ما بين الثلاث إلى التسع أو العشر، فالتقى الجيشان في السنة السابعة