الفضل أعلى من درجات الثواب المستحق لأنه تعالى وصفه بكونه فوزاً عظيماً، وأيضاً فإن الملك العظيم إذا أعطى الأجير أجرته ثم خلع على إنسان آخر فإن تلك الخلعة أعلى من إعطاء تلك الأجرة.
ولما بيّن تعالى الدليل وشرح الوعد والوعيد قال تعالى:
{فإنما يسرناه} أي: سهلنا القرآن سهولة كبيرة {بلسانك} أي: هذا العربي المبين وهم عرب سجيتهم الفصاحة {لعلهم يتذكرون} أي: يفهمونه فيتعظون به وإن لم يتعظوا ولم يؤمنوا به.
{فارتقب} أي: فانتظر ما يحل بهم {إنهم مرتقبون} أي: منتظرون ما يحل بك فمفعولا الارتقاب محذوفان أي: فارتقب النصر من ربك إنهم مرتقبون بك ما يتمنونه من الدوائر والغوائل ولن يضرك ذلك، وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ حم الدخان ليلة جمعة أصبح مغفوراً له» . رواه الترمذي وزاد الزمخشري: «من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك» ورواه البغوي عن أبي هريرة. قال ابن عادل: قال أبو أمامة رضي الله تعالى عنه: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بيتاً في الجنة» والله تعالى أعلم بالصواب.
[سورة الجاثية]
مكية إلا {قل للذين آمنوا يغفروا} الآية هي سبع وثلاثون آية وأربعمائة وثمان وثمانون كلمة، وألفان ومائة وواحد وتسعون حرفاً
{بسم الله} الذي تفرد بتمام العز والكبرياء {الرحمن} الذي أحكم رحمته بالبيان العام للسعداء والأشقياء {الرحيم} الذي خص بملابسة طاعته الأولياء وتقدم الكلام على قوله تعالى:
{حم} ثم إن جعلتها اسماً مبتدأ مخبراً عنه بقوله تعالى:
{تنزيل الكتاب} أي: الجامع لكل خير لم يكن بد من حذف مضاف تقديره، تنزيل حم تنزيل الكتاب. وقوله تعالى: {من الله} أي: المحيط بصفات الكمال صلة للتنزيل، وإن جعلتها تعديداً للحروف كان تنزيل الكتاب مبتدأ والظرف خبراً {العزيز} في ملكه {الحكيم} في صنعه.
ولما كانت الحواميم كما روى أبو عبيدة في كتاب الفضائل عن ابن عباس لبيان القرآن حذف ما ذكر في البقرة من قوله تعالى {خلق} ليكون ما هنا أشمل فقال تعالى:
{إن في السموات} أي: ذواتها بما لها من الدلالة على صانعها وخلقها على ما فيها من العبر بما فيها من المنافع وعظيم الصنعة وما لها من الشفوف الدال على تعددها بما فيها من الكواكب {والأرض} كذلك وبما حوت من المعادن والمعاش {لآيات} أي: دلالات على وجود الإله القادر الفاعل المختار فإن من المعلوم أنه لا بد لكل ذلك من صانع متصف بذلك وقال تعالى {للمؤمنين} لأنهم برسوخهم في هذا الوصف الشريف أهل للنظر لأن ربهم يهديهم بإيمانهم، فشواهد الربوبية لهم منهما لائحة وأدلة الإلهية فيهما واضحة.
ولما ذكر سبحانه وتعالى النظر في آيات الآفاق أتبعها آيات الأنفس بقوله تعالى:
{وفي خلقكم} أي: خلق كل منكم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة إلى أن صار إنساناً المخالف لخلق الأرض التي أنتم منها بالاختيار والعقل والانتشار والقدرة على السار والضار {وما} أي: وخلق ما {يبث} أي: ينشر ويفرق بالحركة الاختيارية على سبيل