راجع إلى الغفران.
{عالم الغيب} وهو ما غاب عن الخلق كلهم فيشمل ما هو داخل القلب مما تؤثره الجبلة، ولا علم لصاحب القلب به فضلاً عن غيره {والشهادة} وهو كل ما ظهر وكان بحيث يعلمه الخلق، وهذا الوصف داع إلى الإحسان من حيث إنه موجب للمؤمن ترك ظاهر الإثم وباطنه، وكل قصور وفتور وغفلة وتهاون فيعبد الله تعالى كأنه يراه {العزيز} أي: الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء {الحكيم} أي: بالغ الحكمة التي يعجز عن إدراكها الخلائق.
وقال ابن الأنباري: الحكيم: هو المحكم لخلق الأشياء، فصرف عن مفعل إلى فعيل، ومنه قوله تعالى: {الم تلك آيات الكتاب الحكيم} (لقمان: ١ ـ ٢)
معناه: المحكم فصرف من مفعل إلى فعيل، وما قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال «من قرأ سورة التغابن رفع عنه موت الفجأة» حديث موضوع.
[سورة الطلاق]
مدنية وهي إحدى عشرة آية، وقيل: اثنتا عشرة آية، وقيل: ثلاث عشرةآية ومائتان وتسع وأربعون كلمة، وألف وستون حرفاً
{بسم الله} الذي له جميع صفات الكمال {الرحمن} الذي عم برحمته والنوال {الرحيم} الذي خص بتمام النعمة ذوي الهمم العوال
وقرأ: {يا أيها النبي} نافع بالهمزة وسهل الهمزة من إذا وأبدلها أيضاً واواً. خصه صلى الله عليه وسلم بالنداء وعم بالخطاب لأن النبي إمام أمته وقدوتهم، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا كيت وكيت إظهاراً لتقدمته واعتباراً لرآسته، وإنه لسان قومه والذي يصدرون عن رأيه، ولا يستبدون بأمر دونه فكان هو وحده في حكم كلهم وساداً مسد جميعهم.
وقيل: إنه على إضمار قول، أي يا أيها النبي قل لأمتك {إذا طلقتم النساء} أي: أردتم طلاق هذا النوع واحدة منهن فأكثر. وقيل: إنه خطاب له ولأمته، والتقدير: يا أيها النبي وأمته فحذف المعطوف لدلالة ما بعده عليه كقوله: إذا حذفته رجلها، أي: ويدها، وكقوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} (النحل: ٨١)
وقيل: إنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خوطب بلفظ الجمع تعظيماً له كقوله:
*فإن شئت أحرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولابرداً*
قال الرازي: وجه تعلق أول هذه السورة بآخر التي قبلها، هو أنه تعالى أشار في آخر التي قبلها إلى كمال علمه بقوله تعالى: {عالم الغيب والشهادة} وفي أول هذه السورة إشارة إلى كمال علمه بمصالح النساء والأحكام المخصوصة بطلاقهن، فكأنه بين ذلك الكلي بهذه الجزئيات.
وروى ابن ماجه عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها، وعن أنس قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة فأتت أهلها، فأنزل الله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} وقيل له: راجعها فإنها صوامة قوامة وهي من أزواجك في الجنة، ذكره الماوردي، والقشيري. وزاد القشيري ونزل خروجها إلى أهلها قوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} .
وقال الكلبي: سبب نزول هذه الآية غضب رسول الله صلى الله عليه