«إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها» وقوله تعالى:
{ليعذب الله} أي: الملك الأعظم متعلق بعرضنا المترتب عليه حمل الإنسان {المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} أي: المضيعين الأمانة.
تنبيه: لم يعد اسمه تعالى فلم يقل: ويعذب الله المشركين وأعاده في قوله تعالى {ويتوب الله} أي: بما له من العظمة {على المؤمنين والمؤمنات} أي: المؤدين للأمانة، ولو قال تعالى: ويتوب على المؤمنين والمؤمنات كان المعنى حاصلاً، ولكنه أراد تفضيل المؤمن على المنافق فجعله كالكلام المستأنف.
ولما ذكر تعالى في الإنسان وصفين الظلوم والجهول ذكر تعالى من أوصافه وصفين بقوله تعالى: {وكان الله} أي: على ما له من الكبرياء والعظمة {غفوراً} للمؤمنين حيث عفا عن فرطاتهم {رحيماً} بهم حيث أثابهم بالعفو على طاعتهم مكرماً لهم بأنواع الكرم. وما رواه البيضاوي من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله وما ملكت يمينه أعطي الأمان من عذاب القبر» حديث موضوع رواه الثعلبي.
[سورة سبأ]
مكية إلا {ويرى الذين أوتو العلم} الآية وهي أربع أو خمس وخمسون آية، وثمانمائة وثلاث وثمانون كلمة، وأربعة آلاف وخمسمائة واثنا عشر حرفاً
{بسم الله} أي: الذي من شمول قدرته إقامة الحساب {الرحمن} أي: الذي من عموم رحمته ترتيب الثواب والعقاب {الرحيم} أي: الذي يمن على أهل كرامته بطاعته حتى لا عقاب يلحقهم ولا عتاب.
ولما ختم السورة التي قبل هذه بصفتي المغفرة والرحمة بدأ هذه بقوله:
{الحمد لله} أي: ذي الجلال والجمال على هذه النعمة.
فائدة: السور المفتتحة بالحمد خمس: سورتان في النصف الأول وهما الأنعام والكهف، وسورتان في النصف الأخير وهما هذه السورة وسورة الملائكة، والخامسة هي فاتحة الكتاب تقرأ مع النصف الأول ومع النصف الثاني الأخير، والحكمة فيها أن نعم الله مع كثرتها وعدم قدرتنا على إحصائها منحصرة في قسمين: نعمة الإيجاد، ونعمة الإبقاء، فإن الله تعالى خلقنا أولاً برحمته، وخلق لنا ما نقوم به وهذه النعمة توجد مرة أخرى بالإعادة فإنه يخلقنا مرة أخرى ويخلق لنا ما ندوم به فلنا حالتان: الإبداء، والإعادة، وفي كل حالة له تعالى نعمتان: نعمة الإيجاد، ونعمة الإبقاء، فقال في النصف الأول: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} (الأنعام: ١)
إشارة إلى الشكر على نعمة الإيجاد، ويدل عليه قوله تعالى: {هو الذي خلقكم من طين} (الأنعام: ٢)
فأشار إلى الإيجاد الأول، وقال في السورة الثانية: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً} (الكهف: ١)
فأشار إلى الشكر على نعمة الإبقاء، فإن الشرائع بها البقاء ولولا شرع تنقاد له الخلق لاتبع كل واحد هواه ووقعت المنازعات وأدت إلى التقاتل والنفاق وقال ههنا: {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض} ملكاً وخلقاً إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني بدليل قوله تعالى {وله} أي: وحده {الحمد} أي: الإحاطة بالكمال {في الآخرة} أي: ظاهر الكل من يجمعه الحشر وله كل ما فيها لا يدعي