للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحد ذلك في شيء منه ظاهراً ولا باطناً وقال في سورة الملائكة: {الحمد لله فاطر السموات والأرض} (فاطر: ١)

إشارة إلى نعمة الإبقاء بدليل قوله تعالى: {جاعل الملائكة رسلاً} (فاطر: ١)

أي: يوم القيامة يرسلهم الله تعالى مسلمين على المسلمين كما قال تعالى: {وتتلقاهم الملائكة} (الأنبياء: ١٠٣)

وقال تعالى عنهم: {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} (الزمر: ٧٣)

وفاتحة الكتاب لما اشتملت على ذكر نعمتين أشار بقوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين} (الفاتحة: ٢) إلى النعمة العاجلة، وأشار بقوله تعالى: {مالك يوم الدين} (الفاتحة: ٤)

إلى النعمة الآجلة فرتب الافتتاح والاختتام عليهما.

فإن قيل: قد ذكرتم أن الحمد ههنا إشارة إلى النعم التي في الآخرة فلم ذكر الله تعالى السموات والأرض؟ أجيب: بأن نعم الآخرة غير مرئية فذكر الله تعالى النعم المرئية وهي ما في السموات وما في الأرض.

ثم قال: {وله الحمد في الآخرة} ليقابل نعم الآخرة بنعم الدنيا، ويعلم فضلها بدوامها وقيل: الحمد في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما قال تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} (فاطر: ٣٤)

{والحمد لله الذي صدقنا وعده} (الزمر: ٧٤)

وتقدم الكلام على الحمد لغة واصطلاحاً، والشكر كذلك في أول الفاتحة فتح الله علينا بكل خير وفعل ذلك بأحبابنا.

ولما تقرر أن الحكمة لا تتم إلا بإيجاد الآخرة قال تعالى: {وهو الحكيم} أي: الذي بلغت حكمته النهاية التي لا مزيد عليها، والحكمة هي العلم بالأمور على وجه الصواب متصلاً بالعمل على وفقه {الخبير} أي: البليغ الخبر وهو العلم بظواهر الأمور وبواطنها حالاً ومآلاً.

ثم بين كمال خبره بقوله تعالى:

{يعلم ما يلج} أي: يدخل {في الأرض} أي: هذا الجنس من المياه والأموال والأموات وغيرها {وما يخرج منها} من المياه والمعادن والنبات وغيرها {وما ينزل من السماء} أي: من هذا الجنس من قرآن وملائكة وماء وحرارة وبرودة وغير ذلك {وما يعرج فيها} من الكلام الطيب قال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب} (فاطر: ١٠)

والملائكة والأعمال الصالحة قال تعالى {والعمل الصالح يرفعه} (فاطر: ١٠)

تنبيه: قدم ما يلج في الأرض على ما ينزل من السماء لأن الحبة تبذر أولاً ثم تسقى ثانياً وقال تعالى {ما يعرج فيها} ولم يقل ما يعرج إليها إشارة إلى قبول الأعمال الصالحة لأن كلمة إلى للغاية فلو قال وما يعرج إليها لفهم الوقوف عند السموات فقال {وما يعرج فيها} ليفهم نفوذه فيها وصعوده وتمكنه فيها، ولهذا قال في الكلم الطيب {إليه يصعد الكلم الطيب} لأن الله تعالى هو المنتهى ولا مرتبة فوق الوصول إليه {وهو} أي: والحال أنه وحده مع كثرة نعمه المقيمة للأبدان {الرحيم} أي: المنعم بإنزال الكتب وإرسال الرسل لإقامة الأديان وغير ذلك {الغفور} أي: المحاء للذنوب للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها أو في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائقة للحصر.

تنبيه: قدم تعالى صفة الرحمة على صفة الغفور ليعلم أن رحمته سبقت غضبه.

ثم بين تعالى أن هذه النعمة التي يستحق الله تعالى بها الحمد وهي نعمة الآخرة أنكرها قوم فقال:

{وقال الذين كفروا} أي: ستروا ما دلتهم عليه عقولهم من براهينها الظاهرة {لا تأتينا الساعة} أي: أنكروا مجيئها أو استظهارها استهزاء بالوعد به، وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {قل} أي: لهم {بلى} رد لكلامهم وإيثار لما نفوه {وربي} أي: المحسن إلي بما عمني به معكم وبما خصني من تنبيئي وإرسالي إليكم إلى غير ذلك من أمور

<<  <  ج: ص:  >  >>