للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي: الكنود العظيم حيث أقدم على مخالفة الملك الأعظم المحسن مع الكفر لإحسانه {لشهيد} أي: يشهد على نفسه ولا يقدّر أن يجحده لظهور أثره عليه، أو أن الله تعالى على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد.

{وإنه} أي: الإنسان من حيث هو {لحب} أي: لأجل حب {الخير} أي: المال الذي لا يعدّ غيره لجهله خيراً {لشديد} أي: بخيل بالمال ضابط له ممسك عليه، أو بليغ القوة في حبه لأنّ منفعته في الدنيا، وهو متقيد بالعاجل الحاضر المحسوس مع علمه بأنّ أقل ما فيه أنه يشغله عن حسن الخدمة لربه تعالى، ومع ذلك فهو لحب المال وإيثار الدنيا وطلبها قوي مطيق، وهو لحب عبادة ربه وشكر نعمته ضعيف متقاعس.

ثم سبب عن ذلك قوله تعالى:

{أفلا يعلم} أي: هذا الإنسان الذي أنساه أنسه بنفسه {إذا بعثر} أي: انتثر بغاية السهولة وأخرج {ما في القبور} أي: من الموتى. قال أبو عبيدة: بعثرت المتاع: جعلت أسفله أعلاه. قال محمد بن كعب: ذلك حين يبعثون. فإن قيل: لِمَ قال: {ما في القبور} ولم يقل من، ثم قال بعد ذلك:

{إن ربهم بهم} أجيب: عن الأوّل بأنّ ما في الأرض غير المكلفين أكثر فأخرج الكلام على الأغلب، أو أنهم حال ما يبعثون لا يكونون أحياء عقلاء بل يصيرون كذلك بعد البعث، فلذلك كان الضمير الأوّل ضمير غير العقلاء، والضمير الثاني ضمير العقلاء.

{وحُصِّل} أي: أخرج وجمع بغاية السهولة {ما في الصدور} من خير وشر مما يظن مضمره أنه لا يعلمه أحد أصلاً، وظهر مكتوباً في صحائف الأعمال وهذا يدل على أن النيات يحاسب عليها كما يحاسب على ما يظهر من آثارها. وتخصيص الصدر بذلك لأنه محله القلب.

{إن ربهم} أي: المحسن إليهم بخلقهم وخلقهم وتربيتهم {بهم يومئذ} أي: إذا كانت هذه الأمور وهو يوم القيامة {لخبير} أي: لمحيط بهم من جميع الجهات عالم غاية العلم ببواطن أمورهم فكيف بظواهرها ومعنى علمه بهم يوم القيامة مجازاته لهم، وإلا فهو خبير بهم في ذلك اليوم وفي غيره فكيف ينبغي للعاقل أن يعلق آماله بالمال فضلاً عن أن يؤثره على الباقي. وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة والعاديات أعطي من الأجر حسنات من بات بالمزدلفة وشهد جمعاً» حديث موضوع.

سورة القارعة مكية

وهي إحدى عشرة آية وست وثلاثون كلمة ومائة واثنان وخمسون حرفاً

{بسم الله} الملك الأعلى {الرحمن} الذي عمت نعمه إيجاده جميع الورى {الرحيم} الذي يخص أولياءه بالتوفيق لما يحب ويرضى.

ولما ختم العاديات بالبعث ذكر صيحته بقوله تعالى:

{القارعة} أي: الصيحة، أو القيامة التي تقرع القلوب بأهوالها والأجرام الكثيفة بالتشقق والانفطار، والأشياء الثابتة بالانتشار. وقوله تعالى:

{ما القارعة} تهويل لشأنها وهما مبتدأ وخبر، خبر القارعة، وأكد تعظيمها إعلاماً بأنه مهما خطر في بالك من عظمها فهي أعظم منه، فقال تعالى:

{وما أدراك} أي: أعلمك {ما القارعة} أي: إنك لا تعرفها لأنك لم تعهد مثلها، وما الأولى مبتدأ وما بعدها خبره، وما الثانية وخبرها في محل المفعول الثاني لأدري. { {

واختلف في ناصب {يوم} على

<<  <  ج: ص:  >  >>