الكفار، كما قال تعالى: {إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار} (النساء: ١٤٥)
. فإن قيل: قوله تعالى:
{ثم لا يموت فيها ولا يحيى} يقتضي أن ثم حالة غير الحياة والموت، وذلك غير معقول. أجيب: عن ذلك بوجهين: أحدهما: لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة تنفعه كما قال تعالى: {لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها} (فاطر: ٣٦)
وهذا جاء على مذهب العرب يقولون للمبتلى بالبلاء الشديد لا هو حيّ ولا هو ميت. ثانيهما: أنّ نفس أحدهم في النار في حلقة لا تخرج فيموت، ولا ترجع إلى موضعها فيحيا.
تنبيه: قوله تعالى: ثم للتراخي بين الرتب في الشدّة.
ولما ذكر تعالى وعيد من أعرض عن النظر في دلائل الله تعالى أتبعه بالوعد لضدّه فقال تعالى:
{قد أفلح} أي: فاز بكل مراد {من تزكى} أي: تطهر من الكفر بالإيمان؛ لما روي عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من تزكى وشهد أي لا إله إلا الله وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله» . وقيل: تطهر للصلاة وأدّى الزكاة.
{وذكر اسم ربه} أي: بقلبه ولسانه مكبراً {فصلى} أي: الصلوات الخمس. قال الزمخشري: وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح وعلى أنها ليست من الصلاة؛ لأنّ الصلاة معطوفة عليها. وقال قتادة: تزكى: عَمِلَ صالحاً. وعن عطاء نزلت في صدقة الفطر. قال ابن سيرين: قد أفلح من تزكى، قال: خرج فصلى بعد ما أدّى زكاة الفطر وصلى صلاة العيد. قال بعضهم: لا أدري ما وجه هذا التأويل فإنّ هذه السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر. وأجاب البغوي: بأنه يجوز أن يكون النزول سابقاً على الحكم كقوله تعالى: {وأنت حل بهذا البلد} (البلد: ٢)
والسورة مكية وظهر أثر الحل يوم الفتح قال صلى الله عليه وسلم «أحلت لي ساعة من نهار» . وقيل: المراد زكاة الأعمال لا زكاة الأموال، أي: زكى أعماله من الرياء والتقصير. وروي عن عطاء أنه قال: إنّ هذه الآية نزلت في عثمان، وذلك أنه كان بالمدينة منافق له نخلة مائلة إلى دار رجل من الأنصار، إذا هبت الريح تساقط منها بسر ورطب في دار الأنصاري فيأكل هو وعياله من ذلك، فخاصمه المنافق، فذكر الأنصاري ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فأرسل خلف المنافق وهو لا يعلم نفاقه فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم «إنّ أخاك الأنصاري ذكر أنّ بسرك ورطبك يقع في منزله فيأكل هو وعياله منه فهل لك أن أعطيك نخلة في الجنة بدلها؟ قال: أبيع عاجلاً بآجل لا أفعل» فذكروا أنّ عثمان قد أعطاه حائطاً من نخل بدل نخلته. ويقول فيه: {قد أفلح من تزكى} وفي المنافق {ويتجنبها الأشقى} وقال الضحاك: نزلت في أبي بكر
وقرأ {بل تؤثرون الحياة الدنيا} أبو عمرو بياء الغيبة، والباقون بتاء الخطاب، ومعناه على القراءة الأولى: بل تؤثرون الأشقون، وعلى القراءة الثانية: بل تؤثرون أيها المسلمون الاستكثار من الدنيا بالعز الحاضر مع أنها شرٌّ وفانية اشتغالاً بها لأجل حضورها كالحيوانات التي هي مقيدة بالمحسوسات على الاستكثار من الثواب.
{والآخرة} ، أي: والحال أنّ الدار التي هي غاية القصد المبرأة عن العيب المنزهة عن الخروج عن الحكمة {خير} ، أي: من الدنيا {وأبقى} لأنها تشتمل على السعادة الجسمانية، والروحانية، ليست كذلك فالآخرة خير من الدنيا ولأنّ الدنيا لذاتها مخلوطة بالآلام والآخرة ليست كذلك، ولأنّ الدنيا فانية والأخرة باقية، والباقي خير من الفاني.
وعن عمر: