القيامة، قال البقاعي: ويجوز أن تكون هذه الفاء فاء الفصيحة فيكون المراد النفخة الأولى أي: ونفخ فمات الخلائق كلهم فبليت أجسامهم وتفتت عظامهم كما كان من تقدّمهم، ثم نفخ الثانية فجمعناهم من التراب بعد تمزقهم فيه وتفرّقهم في أقطار الأرض بالسيول والرياح وغير ذلك {جمعاً} فأمتناهم دفعة واحدة كلمح البصر وحشرناهم إلى الموقف للحساب ثم للثواب والعقاب،
{وعرضنا} أي: أظهرنا {جهنم يومئذٍ} أي: إذ جمعناهم لذلك {للكافرين عرضاً} ظاهرة لهم بكل ما فيها من الأهوال وهم لا يجدون لهم عنها مصرفاً. ثم وصفهم بما أوجب لهم ذلك بقوله تعالى:
{الذين كانت} كوناً كأنه جبلة لهم {أعينهم} وهو بدل من الكافرين {في غطاء عن ذكري} أي: عن القرآن فهم لا يهتدون به وعما جعلنا على الأرض من زينة دليلاً على الساعة بإفنائه ثم إحيائه وإعادته بعد إبداده {وكانوا} بما جعلناهم عليه {لا يستطيعون سمعاً} أي: لا يقدرون أن يسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما يتلو عليهم بغضاله فلا يؤمنون به. ولما بيّن تعالى أمر الكافرين أنهم أعرضوا عن الذكر وعن استماع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أتبعه بقوله تعالى:
{أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي} من الأحياء كالملائكة وعزير والمسيح والأموات كالأصنام {من دوني} وقوله تعالى: {أولياء} أي: أرباباً مفعول ثان ليتخذوا، والمفعول الثاني لحسب محذوف والمعنى أظنوا أنّ الاتخاذ المذكور ينفعهم ولا يغضبني ولا أعاقبهم عليه كلا، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بسكونها وهم على مراتبهم في المدّ. ولما كان معنى الاستفهام الإنكاري ليس الأمر كذلك حسن جداً قوله تعالى مؤكداً لأجل إنكارهم {إنا أعتدنا جهنم} التي تقدم أنا عرضناها لهم {للكافرين} أي: هؤلاء وغيرهم {نزلاً} أي: هي معدة لهم كالمنزل المعد للضعيف وهذا على سبيل التهكم ونظيره قوله تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} (آل عمران، ٢١)
{س١٨ش١٠٣/ش١١٠ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِا?خْسَرِينَ أَعْمَا? * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُو?لَا??ـ?ِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا? بِـ?َايَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآ?ـ?ِهِ? فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَالِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا? وَاتَّخَذُو?ا? ءَايَاتِى وَرُسُلِى هُزُوًا * إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا? وَعَمِلُوا? الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُ? * خَالِدِينَ فِيهَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَ? * قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ? مَدَدًا * قُلْ إِنَّمَآ أَنَا? بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى? إِلَىَّ أَنَّمَآ الهكُمْ اله وَاحِدٌ? فَمَن كَانَ يَرْجُوا? لِقَآءَ رَبِّهِ? فَلْيَعْمَلْ عَمَ? صَالِحًا وَيُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ? أَحَدَ?ا}
ثم ذكر تعالى ما فيه تنبيه على جهل القوم فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم.
{قل} لهم {هل ننبئكم} أي: نخبركم وأدغم الكسائي لام هل في النون والباقون بالإظهار {بالأخسرين أعمالاً} أي: الذين أتعبوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلاً ونوالاً فنالوا هلاكاً وبواراً، واختلفوا فيهم فقال ابن عباس وسعد بن أبي وقاص: هم اليهود والنصارى وهو قول مجاهد، قال سعد بن أبي وقاص: أما اليهود فكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأما النصارى فكفروا بالجنة فقالوا: لا طعام فيها ولا شراب انتهى. قال البقاعي: وكذا قال اليهود لأن الفريقين أنكروا الحشر الجسماني وخصوه بالروحاني، وقيل: هم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع.
تنبيه: أعمالاً تمييز للأخسرين جمع عمل وإن كان مصدر التنوع أعمالهم، ثم وصفهم تعالى بضدّ ما يدّعونه لأنفسهم من نجاح السعي وإحسان الصنع فقال تعالى: {الذين ضلّ} أي: ضاع وبطل {سعيهم في الحياة الدنيا} لكفرهم.
تنبيه: محل الموصول الجر نعتاً أو بدلاً أو بياناً أو النصب على الذم أو الرفع على الخبر المحذوف فإنه جواب السؤال، ومعنى خسرانهم أنه مثلهم بمن يشتري سلعة يرجو فيها ربحاً فخسر وخاب سعيه كذلك أعمال هؤلاء الذين أتعبوا أنفسهم مع ضلالهم فبطل جدّهم