للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال عكرمة: هي الجنة بلسان الحبش، وقال الضحاك: هي الجنة الملتفة الأشجار {نزلاً} أي: منزلاً كما كان السعير والأغلال لأولئك نزلاً وقوله تعالى:

{خالدين فيها} حال مقدرة {لا يبغون} أي: لا يريدون أدنى إرادة {عنها حولاً} أي: تحويلاً إلى غيرها، قال ابن عباس: لا يريدون أن يتحوّلوا عنها كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى. ولما ذكر تعالى في هذه السورة أنواع الدلائل والبيّنات وشرح فيها أقاصيص الأوّلين والآخرين نبه على حال كمال القرآن بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم.

{قل} يا أشرف الخلق للخلق {لو كان البحر} أي: ماؤه على عظمته عندكم {مداداً} وهو اسم لما يمدّ به الشيء كالحبر للدواة والسليط للسراج {لكلمات} أي: لكتب كلمات {ربي} أي: المحسن إليّ {لنفد} أي: فني مع الضعف فناء لا تدارك له {البحر} لأنه جسم متناه {قبل أن تنفذ} أي: تفنى وتفرغ {كلمات ربي} لأنّ معلوماته تعالى غير متناهية والمتناهي لا يفي البتة بغير المتناهي، وقرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية على التذكير والباقون بالفوقية على التأنيث. ولما لم يكن أحد غيره يقدر على إمداد البحر قال تعالى: {ولو جئنا بمثله} أي: بمثل البحر الموجود {مدداً} أي: زيادة ومعونة ونظيره قوله تعالى: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام، والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} (لقمان، ٢٧) ، واختلف في سبب نزول هذه الآية، فقال البغوي وابن عباس: قالت اليهود: تزعم يا محمد أنا قد أوتينا الحكمة، وفي كتابك {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} (النبوة، ٢٦٩) ، ثم تقول: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} ، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال البيضاوي: وسبب نزولها أن اليهود قالوا: في كتابكم ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وتقرؤون وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً انتهى. وقال في «الكشاف» يعني أن ذلك خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات الله، وقيل: لما نزل وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، قالت اليهود: أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية. ولما كانوا ربما قالوا: مالك لا تحدّث من

هذه الكلمات بكل ما سألنا عنه قال الله تعالى:

{قل} يا خير الخلق لهم {إنما أنا بشر} في استبداد القدرة على إيجاد المعدوم والإخبار بالغيب {مثلكم} أي: لا أمر لي ولا قدرة إلا ما يقدرني ربي عليه ولكن {يوحى إليّ} أي: من الله تعالى الذي خصني بالرسالة كالوحي إلى الرسل قبلي {أنما إلهكم} الذي يجب أن يعبد {إله واحد} لا ينقسم بمجانسة ولا غيرها قادر على ما يريد، لا منازع له لم يؤخر جواب ما سألتموني عنه من عجز ولا من جهل هذا الذي يعني كل أحد علمه، وأما ما سألتم عنه في أمر الروح والقصتين تعنتا لي فأمر لو جهلتموه ما ضرّكم جهله {فمن} أي: فتسبب عن وحدته المستلزمة لقدرته أنه من {كان يرجو لقاء ربه} أي: يخاف المصير إليه وقيل يأمل رؤية ربه والرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل جميعاً قال الشاعر:

*فلا كل ما ترجو من الخير كائن

... ولا كل ما ترجو من الشر واقع

فجمع بين المعنيين {فليعمل عملاً} ولو قليلاً {صالحاً} يرتضيه الله {ولا يشرك} أي: وليكن ذلك العمل مبنياً على الأساس وهو أن لا يشرك ولو بالرياء {بعبادة ربه أحداً} فإذا عمل ذلك حاز فخار علوم الدنيا والآخرة، روي أن جندب بن زهير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعمل

<<  <  ج: ص:  >  >>