كما هي بالوحي والإلهام والمنامات الصادقة وهذا القسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء وإياه عنى تعالى بقوله:{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}(الأنعام، ٩٠) وقوله: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}(العنكبوت، ٦٩) .
فإن قيل: ما معنى طلب الهداية وهم مهتدون؟ أجيب: بأنهم طلبوا زيادة ما منحوه من الهدى والثبات عليه كقوله تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى}(محمد، ١٧) والصراط من قلب السين صاداً ليطابق الطاء في الإطباق وقد تشمّ الصاد صوت الزاي ليكون أقرب إلى المبدل منه، قرأ حمزة الصراط المعرف في هذه السورة بالإشمام وهو أن ينطق القارىء بحرف متولد بين الصاد والزاي، وأشمّ خلف صراط الثاني كالأوّل وكذا جميع ما في القرآن من معرف ومنكر، وقرأ قنبل جميع ما في القرآن بالسين، وقرأ الباقون بالصاد الخالصة في الجميع، وهذه لغة قريش وهي الثابتة في الإمام وهو مصحف سيدنا عثمان رضي الله عنه تعالى والمستقيم المستوي، والمراد به طريق الحق، وقيل: ملة الاسلام، وهذان القولان مرويان عن ابن عباس وهما متحدان صدقاً وإن اختلفا مفهوماً.
{صراط الذين أنعمت عليهم} بالهداية بدل من الأوّل بدل كل من كل والعامل فيه مقدّر على رأي الجمهور، وقيل: العامل فيه هو العامل في المبدل منه وهو ظاهر مذهب سيبويه، واختاره ابن لك.
فإن قيل: ما فائدة ذكر صراط الذين أنعمت عليهم بدلاً تابعاً؟ وهلا اقتصر عليه مع أنه المقصود بالنسبة؟ أجيب: بأنّ فائدته التوكيد والتنصيص على أنّ طريق المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة على آكد وجه وأبلغه لأنه جعل كالتفسير والبيان له فكأنه من البين الذي لا خفاء فيه إنّ الطريق المستقيم ما يكون طريق المؤمنين وهذا هو الموافق لما خرّج ابن جرير عن ابن عباس، إن المراد بالذين أنعمت عليهم الأنبياء والملائكة والصدّيقون والشهداء ومن أطاعه وعبده وقيل: الذين أنعمت عليهم الأنبياء خاصة صلوات الله وسلامه عليهم، وقيل: أصحاب موسى وعيسى قبل التحريف والنسخ.
تنبيه: أطلق الإنعام ليشمل كل إنعام لأنّ من أنعم الله عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلا أصابته واشتملت عليه ويبدل من الذين بصلته. {غير المغضوب عليهم} وهم اليهود، لقوله تعالى:{فيهم من لعنه الله وغضب عليه}(المائدة، ٦٠){ولا} أي: وغير {الضالين} وهم النصارى، لقوله تعالى:{قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا}(المائدة، ٧٧) الآية، ونكتة البدل إفادة أنّ المهتدين ليسوا يهوداً ولا نصارى وقيل: إنّ غير صفة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان وبين السلامة من غضب الله تعالى والضلال، وقيل: المغضوب عليهم هم الكفار والضالون هم المنافقون، وذلك لأنه تعالى بدأ في أوّل البقرة بذكر المؤمنين والثناء عليهم في خمس آيات ثم أتبعه بذكر الكفار وهو المراد من قوله تعالى:{إنّ الذين كفروا}(البقرة، ٦) ثم أتبعهم بذكر المنافقين وهو قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا با}(البقرة، ٨) إلخ.. وكذا ههنا بدأ بذكر المؤمنين وهو قوله:{أنعمت عليهم} ثم أتبعهم بذكر الكفار وهو قوله {غير المغضوب عليهم} ثم أتبعهم بذكر المناففين بقوله: {ولا الضالين} .
فإن قيل: كيف صح أن يقع غير صفة للمعرفة وهو لا يتعرّف وإن أضيف إلى المعارف؟ أجيب: بأنه يصح بأحد تأويلين؛ أحدهما: إجراء الموصول مجرى النكرة إذ لم يقصد به معهود كالمحلى باللام في قول القائل: