للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى موسى عليه السلام بقوله تعالى: {فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} أتبعه بقوله تعالى:

{إنّ الساعة آتية} أي: كائنة {أكاد أخفيها} قال أكثر المفسرين معناه أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها غيري من الخلق وكيف أظهرها لكم ذكر تعالى على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقول الرجل كتمت سري من نفسي أي: أخفيته غاية الإخفاء والله تعالى لا يخفى عليه شيء والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت وكذلك المعنى في إخفاء وقت الموت لأنّ الله تعالى وعد قبول التوبة فإذا عرف وقت موته وانقضاء أجله اشتغل بالمعاصي إلى أن يقرب ذلك الوقت فيتوب ويصلح العمل فيتخلص من عقاب المعاصي بتعريف وقت موته فتعريف وقت الموت كالإغراء بفعل المعصية فإذا لم يعلم وقت موته لا يزال على قدم الخوف والوجل فيترك المعاصي أو يتوب منها في كل وقت خوف معاجلة الأجل. وقال أبو مسلم: أكاد بمعنى أريد وهو كقوله تعالى: {كذلك كدنا ليوسف} (يوسف، ٧٦)

ومن أمثالهم المتداولة لا أفعل ذلك ولا أكاد أي: لا أريد أن أفعله وقال الحسن: إن أكاد من الله واجب فمعنى قوله تعالى: أكاد أخفيها أي: أنا أخفيها عن الخلق كقوله تعالى: {عسى أن يكون قريباً} (الإسراء، ٥١)

أي: هو قريب وقيل: أكاد صلة في الكلام والمعنى أنّ الساعة آتية أخفيها. قال زيد الخيل:

*سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه

... فما أن يكاد قرنه يتنفس

أي فما أن يتنفس قرنه وقوله تعالى: {لتجزى كل نفس بما تسعى} أي: تعمل من خير أو شرّ متعلق بآتية، واختلف في المخاطب بقوله تعالى:

{فلا يصدّنك} أي: يصرفنك {عنها من لا يؤمن بها} فقيل: وهو الأقرب كما قاله الرازي أنه موسى عليه السلام لأنّ الكلام أجمع خطاب له، وقيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم واختلف أيضاً في عود هذين الضميرين على وجهين:

أحدهما: قال أبو مسلم لا يصدّنك: عنها أي: عن الصلاة التي أمرتك بها من لا يؤمن بها أي: بالساعة فالضمير الأوّل عائد إلى الصلاة والثاني إلى الساعة ومثل هذا جائز في اللغة فالعرب تلف الخبرين ثم ترمي بجوابهما جملة ليردّ السامع إلى كل خبر حقه.

ثانيهما: قال ابن عباس: فلا يصدنك عن الساعة أي: عن الإيمان بها من لا يؤمن بها فالضميران عائدان إلى يوم القيامة وهذا أولى لأن الضمير يعود إلى أقرب المذكورات وههنا الأقرب هو الساعة وما قاله أبو مسلم إنما يصار إليه عند الضرورة ولا ضرورة ههنا.

تنبيه: المقصود من ذلك نهى موسى عليه السلام عن التكذيب بالبعث ولكن ظاهر اللفظ يقتضي نهي من لم يؤمن عن صدّ موسى وفيه وجهان:

أحدهما: أنّ صدّ الكافر عن التصديق بها سبب للتكذيب فذكر السبب ليدل على حمله على المسبب.

الثاني: أنّ صدّ الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين فذكر المسبب ليدل على السبب كقولهم لا أرينك ههنا المراد نهي المخاطب عن حضوره له لا أن يراه هو فالرؤية مسببة عن الحضور كما أنّ صدّ الكافر مسبب عن الرخاوة والضعف في الدين فقيل: لا تكن رخواً بل كن شديداً صلباً حتى لا يلوح منك لمن يكفر بالبعث أنه يطمع في صدك عما أنت عليه {واتبع هواه} أي: ميل نفسه إلى اللذات المحبوبة المخدجة لقصر نظره عن غيرها وخالف أمر الله {فتردى} أي: فتهلك إن انصددت عنها وما في قوله

<<  <  ج: ص:  >  >>