للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظاهرة {من حمل ظلماً} قال ابن عباس: خسر من أشرك بالله، والظلم الشرك. ولما شرح الله تعالى أحوال القيامة ختم الكلام فيها بشرح أحوال المؤمنين، فقال:

{ومن يعمل من الصالحات} أي: التي أمره الله تعالى بها بحسب طاقته؛ لأنه لن يقدر الله أحد حق قدره، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه {وهو مؤمن} ليكون بناؤها على الأساس كما في قوله تعالى: {ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات} (ظه، ٧٥)

{فلا يخاف ظلماً} أي: بزيادة في سيئاته {ولا هضماً} أي: بنقص من حسناته؛ قاله ابن عباس، وقيل: لا يؤاخذ بذنب لم يعمله، ولا تبطل حسنة عملها، وعبّر تعالى بالفاء إشارة إلى قبول الأعمال وجعلها سبباً لذلك الحال، وأما غير المؤمن، فلو عمل أمثال الجبال لم يكن لها وزن، وقوله تعالى:

{وكذلك} معطوف على قوله تعالى: {وكذلك نقص} ، أي: ومثل إنزال ما ذكر {أنزلناه} أي: القرآن {قرآناً} جامعاً لجميع المعاني المقصودة، ثم وصفه تعالى بأمرين؛ أحدهما: قوله تعالى {عربياً} أي: بلسان العرب ليفهموه، ويقفوا على إعجازه وحسن نظمه وخروجه عن كلام البشر، الثاني: قوله تعالى: {وصرّفنا فيه من الوعيد} أي: كرّرناه، وفصلناه، ويدخل تحت الوعيد بيان الفرائض والمحارم؛ لأن الوعد بهما يتعلق بتكريره وتصريفه يقتضي بيان الأحكام، فلذلك قال تعالى: {لعلهم يتقون} أي: يجتنبون الشرك والمحارم، وترك الواجبات، فتصير التقوى لهم ملكة {أو يحدث لهم ذكراً} أي: عظة واعتباراً حين يسمعونها، فيثبطهم عنها، ولهذه النكتة أسند التقوى إليهم، والأحداث إلى القرآن.

{فتعالى الله} في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين لا يماثل كلامه كلامهم كما لا تماثل ذاته وصفاته ذاتهم وصفاتهم {الملك} الذي لا يعجزه شيء، فلا ملك في الحقيقة غيره {الحق} أي: الثابت الملك، فلا زوال لكونه ملكاً في زمن ما، ولعظمة ملكه وحقية ذاته وصفاته صرف خلقه على ما هم عليه من الأمور المتباينة، ولما شرح الله تعالى كيفية نفع القرآن للمكلفين، وبيّن أنه سبحانه وتعالى متعالٍ عن كل ما لا ينبغي موصوف بالإحسان والرحمة، ومن كان كذلك صان رسوله عن السهو والنسيان في أمر الوحي، فلذلك قال تعالى: {ولا تعجل بالقرآن} أي: بقراءته {من قبل أن يقضى إليك وحيه} من الملك النازل به إليك من حضرتنا كما أنا لم نعجل بإنزاله عليك جملة بل رتلناه لك ترتيلاً، ونزلناه إليك تنزيلاً مفصلاً تفصيلاً، وموصلاً توصيلاً، فاستمع له ملقياً جميع تأملك إليه، ولا تساوقه بالقراءة، فإذا فرغ فاقرأه، فإنا نجمعه في قلبك، ولا نكلفك المساوقة بتلاوته {وقل رب} أيها المحسن إليّ بإفاضة العلوم عليّ {زدني علماً} أي: سل الله زيادة العلم بدل الاستعجال، فإن ما أوحي إليك تناله لا محالة؛ روى الترمذي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً، والحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار» وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم زدني علماً ويقيناً، ولما قال تعالى: {كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق} (طه، ٩٩)

ذكره هذه القصة إنجازاً للوعد، فقال تعالى:

{ولقد عهدنا} بما لنا من العظمة {إلى آدم} أبي البشر أي: وصيناه أن لا يأكل من الشجرة، وإنما عطفها على قوله تعالى: {وصرفنا فيه من الوعيد} (طه، ١١٣)

للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان، وعرقهم راسخ بالنسيان {من قبل} أي: في

<<  <  ج: ص:  >  >>