للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«سئل عن الأنبياء فقال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، قيل: فكم الرسل، فقال: ثلاثمائة وثلاثة عشر جماً غفيراً» .

وقيل: كما هو ظاهر الآية الرسول من جمع إلى المعجزة كتاباً منزلاً عليه، والنبيّ غير الرسول من لا كتاب له، وقيل: يمكن حمل الآية عليه أيضاً، والرسول من يأتيه الكتاب، والنبيّ يقال له ولمن يوحى إليه في المنام {إلا إذا تمنّى} أي: تلا على الناس ما أمره الله تعالى به أو حدّثهم به، واشتهى في نفسه أن يقبلوه حرصاً منه على إيمانهم شفقة عليهم {ألقى الشيطان} من التشبيه والتخييلات {في أمنيته} أي: فيما تلاه أو حدث به واشتهى أن يقبل ما يتلقفه منه أولياؤه فيجادلون به أهل الطاعة ليضلوهم، وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، {وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوّاً شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً} (الأنعام، ١١٢)

كما يفعل هؤلاء فيما يفترقون به في وجه الشريعة أصولاً وفروعاً من قولهم في القرآن شعر وسحر وكهانة، وقولهم: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} (الأنعام، ١٤٨) ، وقولهم: إنّ ما قتله الله تعالى بالموت حتف أنفه أولى بالأكل مما ذبح، وقولهم: نحن أهل الله وسكان حرمه، ولا نخرج من الحرم فنقف في الحج بالمشعر الحرام، وتقف الناس بعرفة، ونحن نطوف في ثيابنا وكذا من ولدناه، وأمّا غيرنا فلا يطوف إلا عارياً ذكراً كان أو أنثى إلا أن يعطيه أحدنا ما يلبسه، ونحو ذلك مما يريدون أن يطفئوا به نور الله تعالى، وكذا تأويلات الباطنية والاتحادية، وأنظارهم التي ألحدوا فيها يضل الله تعالى بها من يشاء، ثم يمحوها ممن أراد من عباده، وما أراد من أمره {فينسخ} أي: فيتسبب عن إلقائه أنه ينسخ {الله} أي: المحيط بكل شيء علماً وقدرة {ما يلقي الشيطان} فيبطله بإيضاح أمره {ثم يحكم الله آياته} أي: ثم يجعلها جلية فيما يريد منها وأدل دليل على أنّ هذا هو المراد من الافتتاح بالمتأخرة في الآيات الختام بقوله عطفاً على ما تقديره فالله على ما يشاء قدير {والله عليم} بأحوال خلقه {حكيم} فيما يفعله بهم. وقيل:

إنه صلى الله عليه وسلم حدث نفسه بزوال المسكنة فنزلت، وقال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما من المفسريين لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعراض قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم لما جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيهم من الله ما يقارب بينه وبين قومه، وذلك لحرصه على إيمانهم، فجلس ذات يوم في نادٍ من أندية قريش كثير أهله، وأحب يومئذٍ أن يأتيه من الله تعالى شيء لم ينفروا عنه وتمنى ذلك فأنزل الله تعالى سورة والنجم إذا هوى، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وسوس إليه الشيطان حتى سبق لسانه سهواً إلى أن قال: تلك الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى ففرح به المشركون، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءة السورة كلها، وسجد في آخرها، وسجد المسلمون لسجوده وجميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد سوى الوليد بن المغيرة وأبو أحيحة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها على جبهتهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود، وتفرّقت قريش وقد سرهم ما سمعوا، وقالوا قد ذكر محمد آلهتنا تشفع بأحسن الذكر وقالوا: قد عرفنا أنّ الله تعالى يحيي ويميت ويرزق، ولكن هذه آلهتنا تشفع لنا عنده، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>