لبياضه قال: وكانوا يزعمون أنّ الأصنام تقرّبهم من الله وتشفع لهم فشبهت بالطيور التى تعلو إلى السماء وترتفع، وقيل: تمنى أي: قرأ، كقول حسان في حق عثمان بن عفان:
*تمنى كتاب الله أوّل ليلة
... تمنى داود الزبور على رسل
أي: على تأن وتمهل. ولما ذكر سبحانه وتعالى ما حكم به من تمكين الشيطان من هذا الإلقاء ذكر العلة في ذلك بقوله تعالى:
{ليجعل ما يلقي الشيطان} أي: في المتلو أو المحدّث به من تلك الشبهة في قلوب أوليائه على التفسير الأوّل، وعلى الثاني وغيره يؤوّل بما يناسبه {فتنة} أي: اختباراً وامتحاناً {للذين في قلوبهم مرض} أي: شك ونفاق {والقاسية} أي: الجافية {قلوبهم} عن قول الحق وهم المشركون {وإنّ الظالمين} أي: الواضعين لأقوالهم وأفعالهم في غير مواضعها كفعل من هو في الظلام {لفي شقاق} أي: خلاف لكونهم في شق غير شق حزب الله بمعاجزتهم في الآيات بتلك الشبهة التي تلقوها من الشيطان، وجادلوا بها أولياء الرحمن {بعيد} عن الصواب {لتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون}(الأنعام، ١١٣) ، وعلى ثبوت ذكر القصة وجرى عليه الجلال المحلي؛ قال: إنهم في خلاف طويل مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حيث جرى على لسانه ذكر آلهتهم بما يرضيهم، ثم أبطل ذلك.
{وليعلم الذين أوتوا العلم} بإتقان حججه وإحكام براهينه وضعف شبه المعاجزين {أنه} أي: الشيء الذي تلوته أو تحدثت به {الحق} أي: الثابت الذي لا يمكن زواله {من ربك} أي: المحسن إليك بتعليمك إياه {فيؤمنوا به} لما ظهر لهم من صحته بما ظهر من ضعف تلك الشبهة {فتخبت} أي: تطمئن وتخضع {له قلوبهم} وتسكن به نفوسهم {وإنّ الله} بجلاله وعظمته {لهادي الذين آمنوا} في جميع ما يلقيه أولياء الشيطان {إلى صراط مستقيم} أي: قويم، وهو الإسلام يصلون به إلى معرفة بطلانه حتى لا تلحقهم حيرة، ولا تعتريهم شبهة، فيوصلهم ذلك إلى سعادة الدارين
{ولا يزال الذين كفروا} أي: وجد منهم الكفر وطبعوا عليه {في مرية} أي: شك {منه} قال ابن جريج: أي: من القرآن، وقيل: مما ألقى الشيطان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قولون: فما باله ذكرها بخير ثم ارتدّ عنها، وقيل: من الدين وهو الصراط المستقيم {حتى تأتيهم الساعة} أي: القيامة، وقيل: أشراطها، وقيل: الموت {بغتة} أي: فجأة {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم} قال عكرمة والضحاك: لا ليل بعده وهو يوم القيامة، والأكثرون على أنه يوم بدر، وسمي عقيماً لأنه لم يكن في ذلك اليوم للكفار خير كالريح العقيم التي لا تأتي بخير، وقيل: لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه، ويقوي التفسير الأوّل قوله تعالى:
{الملك يومئذٍ} أي: يوم القيامة {لله} أي: المحيط بجميع صفات الكمال وحده، ولما كان كأنه قيل: ما معنى اختصاصه به، وكل الأيام له قيل:{يحكم بينهم} أي: المؤمنين والكافرين بالأمر الفصل الذي لا حكم فيه ظاهراً ولا باطناً لغيره كما ترونه الآن بل يمشي فيه الأمر على أتم شيء من العدل {فالذين آمنوا وعملوا} أي: وصدّقوا دعواهم الإيمان بأن عملوا {الصالحات} وهي ما أمرهم الله به {في جنات النعيم} فضلاً منه ورحمة لهم بما رحمهم الله تعالى من توفيقهم للأعمال الصالحات
{والذين كفروا} أي: ستروا ما أعطيناهم من المعرفة بالأدلة على وحدانيتنا {وكذبوا