للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكان قوله قولاً لهم مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوّة وإظهار كبرياء الربوبية، وإن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلا ملك أو نبي، ولما أشار له بهذا القول إلى السلامة بالحمل أتبعه بالإشارة إلى الوعد بإسكان الأرض بقوله تعالى:

{وقل رب أنزلني} في الفلك ثم في الأرض، وفي كل منزل تنزلني به وتورثني إياه {منزلاً مباركاً} أي: يبارك له فيه ويعطيه الزيادة في خير الدارين، وقرأ أبو بكر بفتح الميم وكسر الزاي أي: مكان النزول، والباقون بضم الميم وفتح الزاي مصدر أو اسم مكان، ثم إن الله تعالى أمره أنّ يشفع الدعاء بالثناء عليه المطابق لمسألته وهو قوله تعالى: {وأنت خير المنزلين} ما ذكر لأنك تكفي نزيلك كل ملم وتعطيه كل أمر، ولما كانت هذه القصة من أغرب القصص حث على تدبرها بقوله تعالى:

{إن في ذلك} أي: الأمر العظيم من أمر نوح والسفينة وإهلاك الكفار {لآيات} أي: دلالات على قدرة الله تعالى وصدق الأنبياء في أنّ المؤمنين هم المفلحون وأنهم الوارثون للأرض بعد الظالمين، وإن عظمت شوكتهم واشتدت صولتهم {وإن كنا} بما لنا من العظمة والوصف الثابت الدال على تمام القدرة {لمبتلين} أي: فاعلين فعل الخبير المختبر لعبادنا بإرسال الرسل ليظهر في عالم الشهادة الصالح منهم من غيره، ثم نبتلي الصالحين منهم بما يزيد حسناتهم وينقص سيئاتهم ويعلي درجاتهم، ثم نجعل لهم العاقبة كما قال تعالى: {والعاقبة للمتقين} (الأعراف، ١٢٨)

تنبيه: إن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن واللام هي الفارقة.

القصة الثانية: قصة هود، وقيل: صالح عليهما السلام المذكورة في قوله تعالى:

{ثم أنشأنا} أي: أحدثنا وأحيينا {من بعدهم} أي: من بعد إهلاكهم {قرناً} أي: قوماً {آخرين} هم عاد قوم هود، وقيل: ثمود قوم صالح.

{فأرسلنا} أي: فتعقب إنشاءنا لهم وتسبب عنه أنا أرسلنا {فيهم رسولاً منهم} هو هود، وقيل: صالح؛ قال البغوي: والأوّل هو الأظهر وهو المروي عن ابن عباس ويشهد له حكاية الله قول هود: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} (الأعراف، ٦٩)

ومجيء قصة هود على أثر قصة نوح في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء، ثم بين تعالى ما أرسل به بقوله تعالى: {أن اعبدوا الله} أي: وحدوه لأنه لا مكافىء له، ثم دل على الاستغراق بقوله تعالى: {ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} أي: هذه الحالة التي أنتم عليها مخافة عقابه فتؤمنون، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر والكسائي بضم النون في الوصل والباقون بكسرها، والقراءة في غيره ذكرت قريباً.k

{وقال الملأ} أي: الأشراف التي تملأ رؤيتهم الصدور {من قومه الذين كفروا} أي: غطوا ما يعرفون من أدلة التوحيد والانتقام من المشركين {وكذبوا بلقاء الآخرة} أي: بالمصير إليها {وأترفناهم} أي: والحال أنا بما لنا من العظمة نعمناهم {في الحياة الدنيا} بالأموال والأولاد وكثرة السرور يخاطبون أتباعهم {ما هذا} أشاروا إليه تحقيراً له عند المخاطبين {إلا بشر مثلكم} في الخلق والحال، ثم وصفوه بما يوهم المساواة لهم في كل وصف فقالوا: {يأكل مما تأكلون منه} أي: من طعام الدنيا {ويشرب مما تشربون} أي: من شرابها فكيف يكون رسولاً دونكم، وقولهم:

{ولئن} اللام لام قسم أي: والله لئن {أطعتم بشراً مثلكم} أي: فيما يأمركم به {إنكم إذاً} أي: إن أطعتموه {لخاسرون} أي: مغبونون لكونكم فضلتم مثلكم عليكم بما يدعيه، ثم بينوا

<<  <  ج: ص:  >  >>