للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغيب والشهادة} أي: ما غاب وما شوهد، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي برفع الميم على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو، والباقون بالخفض على أنه صفة لله، ثم رتب على هذا الدليل قوله تعالى: {فتعالى} أي: تعاظم {عما يشركون} معه من الآلهة، ثم إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:

{قل رب} أي: أيها المحسن إليّ {إما} فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة أي: إن كان لا بد أن {تريني} لأنَّ ما والنون للتأكيد {ما يوعدون} من العذاب في الدنيا والآخرة.

{رب فلا تجعلني} بإحسانك إليّ {في القوم الظالمين} أي: قرينا لهم في العذاب.

فإن قيل: كيف يجوز أن يجعل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم المعصوم مع الظالمين حتى يطلب أن لا يجعله معهم؟ أجيب: بأنه يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه وإخباتاً له واستغفاره صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه سبعين مرة أو مائة مرة لذلك وما أحسن قول الحسن في قول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: وليتكم ولست بخيركم، كان يعلم أنه خيرهم ولكن المؤمن يهضم نفسه وإنما ذكر ربه مرتين مرة قبل الشرط، ومرة قبل الجزاء مبالغة في التضرع.

{وإنا} أي: بما لنا من العظمة {على أن نريك} أي: قبل موتك {ما نعدهم} من العذاب {لقادرون} لكنا نؤخره علماً بأن بعضهم أو بعض أعقابهم يؤمنون وهو صادق بالقتل يوم بدر أو فتح مكة، ثم كأنه قال: فماذا أفعل فيما تعلم من أمرهم، فقال تعالى:

b

{ادفع بالتي هي أحسن} أي: من الأقوال والأفعال بالصفح والمداراة {السيئة} أذاهم إياك وهذا قبل الأمر بالقتال فهي منسوخة، وقيل: محكمة لأن المداراة محثوث عليها ما لم تؤد إلى نقصان دين أو مروءة {نحن أعلم بما يصفون} في حقك وحقنا، فلو شئنا منعناهم منه أو عاجلناهم بالعذاب، وليس أحد بأغير منا فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ولما أدب سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يدفع بالتي هي أحسن علمه ما به يقوى على ذلك بقوله تعالى:

{وقل رب} أي: أيها المحسن إليّ {أعوذ بك} أي: ألتجىء إليك {من همزات الشياطين} أي: أن يصلوا إليّ بوساوسهم، وأصل الهمز النخس ومنه مهماز الرائض شبه حثهم الناس على المعاصي بهمز الرائض الدواب على المشي وإنما جمع همزات لتنوع الوسواس أو لتعدد المضاف إليه.

{وأعوذ بك رب} أي: أيها المربى لي {أن يحضرون} في حال من الأحوال خصوصاً حال الصلاة وقراءة القرآن وحلول الأجل؛ لأنها أحرى الأحوال، وهم إنما يحضرون بالسوء، ولو لم تصل إليَّ وساوسهم، فإن بعدهم بركة، وعن جبير بن مطعم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال عمر: ولا أدري أي صلاة هي فقال: «الله أكبر كبيراً ثلاثاً، والحمد لله كثيراً ثلاثاً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً ثلاثاً أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه؛ قال: نفثه الشعر ونفخه الكبر، وهمزه الموتة» أخرجه أبو داود؛ لأن الشعر يخرج من القلب فيلفظ به اللسان، وينفثه كما ينفث الريق والمتكبر ينتفخ ويتعاظم ويجمع نفسه ويحتاج إلى أن ينفخ، والموتة الجنون والمجنون يصير في الدنيا كالميتة، ثم إن الله تعالى أخبر أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا

<<  <  ج: ص:  >  >>