للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حق على والده أو ولده أو زوجته أو أخيه، فيأخذه منهم، ثم قرأ ابن مسعود فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون، وفي رواية عطاء عن ابن عباس أنها النفخة الثانية فلا أنساب بينهم أي: لا يتفاخرون بالأنساب يومئذٍ كما كانوا يتفاخرون بها في الدنيا ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا من أنت ومن أي قبيل أنت، ولم يرد أن الإنسان ينقطع نسبه، فإن قيل: قد قال تعالى هنا: ولا يتساءلون، وقال تعالى في موضع آخر: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} (الصافات، ٢٧)

أجيب: بأن ابن عباس قال: إن للقيامة أحوالاً ومواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل، فلا يتساءلون، وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون، وقيل: التساؤل بعد دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.

{فمن ثقلت موازينه} أي: بالأعمال المقبولة، قال البقاعي: ولعل الجمع لأن لكل عمل ميزاناً يعرف أنه لا يصلح له غيره، وذلك أدل دليل على القدرة {فأولئك} أي: خاصة قال أيضاً: ولعله جمع للبشارة بكثرة الناجي بعد أن أفرد للدلالة على كثرة الأعمال أو على عموم الوزن لكل فرد {هم المفلحون} أي: الفائزون بالنجاة والدرجات العلى.

{ومن خفت موازينه} لإعراضه عن تلك الأعمال المؤسسة على الإيمان {فأولئك} خاصة {الذين خسروا أنفسهم} لإهلاكهم إياها باتباعها شهواتها في دار الأعمال وشغلها بأهوائها عن مراتب الكمال وقوله تعالى: {في جهنم خالدون} بدل من الصلة، أو خبر ثان لأولئك، وهي دار لا ينفك أسيرها ولا ينطفىء سعيرها، ثم استأنف قوله تعالى:

{تلفح} أي: تغشى بشدّة حرّها وسمومها ووهجها {وجوههم النار} فتحرقها، فما ظنك بغيرها، واللفح كالنفح إلا أنه أشد تأثيراً {وهم فيها كالحون} أي: عابسون قد شمرت شفاههم العليا والسفلى عن أسنانهم، وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته» وقوله تعالى:

{ألم تكن آياتي} أي: من القرآن على إضمار القول أي: يقال لهم: ألم تكن آياتي {تتلى عليكم} أي: تتابع لكم قراءتها في الدنيا شيئاً فشيئاً {فكنتم بها تكذبون} ثم استأنف جوابه بقوله تعالى:

{قالوا ربنا} أي: المسبغ علينا نعمه {غلبت علينا شقوتنا} أي: ملكتنا بحيث صارت أحوالها مؤدّية إلى سوء العاقبة {وكنا} أي: بما جبلنا عليه {قوماً ضالين} في ذلك عن الحق أقوياء في موجبات الشقوة فكان سبباً للضلال عن طريق السعادة.

{ربنا} يا من عودنا بالإحسان {أخرجنا منها} أي: من النار تفضلاً منك على عادة فضلك وردّنا إلى دار الدنيا لنعمل ما يرضيك {فإن عدنا} إلى مثل ذلك الضلال {فإنا ظالمون} لأنفسنا، ثم استأنف جوابهم بأن:

{قال} لهم بلسان ملك بعد قدر الدنيا مرتين كما يقال للكلب {اخسؤوا} أي: انزجروا زجر الكلاب وانطردوا عن مخاطبتي ساكتين سكوت هوان {فيها} أي: النار {ولا تكلمون} أصلاً، فإنكم لستم بأهل لمخاطبتي لأنكم لن تزالوا متصفين بالظلم فييأس القوم بعد ذلك، ولا يتكلموا بكلمة إلا الزفير والشهيق والعواء كعواء الكلاب، وقال القرطبي: إذا قيل لهم ذلك انقطع رجاؤهم، وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض فانطبقت عليهم، وعن ابن عباس أنّ لهم ست

<<  <  ج: ص:  >  >>