للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على سوء صنيعه إن عاتبت أو عاقبت، فلا تلوموني على ذلك، وقولها: ولكن حملته الحمية أي: حمله الغضب والأنفة والتعصب على الجهل للقرابة، وقولها: فتثاور الحيان أي: ثاروا ونهضوا للقتال والمخاصمة، وقولها: فلم يزل يخفضهم أي: يهوّن عليهم ويسكت، وقوله صلى الله عليه وسلم إن كنت ألممت قيل: هو من اللمم وهو صغار الذنوب، قيل: معناه مقارفة الذنب من غير فعل، وقولها: قلص دمعي أي: انقطع جريانه، قوله: ما رام أي: ما برح من مكانه والبرحاء الشدّة، والجمانة الدرة وجمعه جمان، وقولها: فسرّي عنه أي: كشف عنه، وقول زينب: أحمي سمعي وبصري أي: أمنعهما عن أن أخبر بما لم أسمع ولم أبصر وقولها: وهي التي كانت تساميني من السموّ وهو العلوّ والغلبة، فعصمها الله تعالى أي: منعها الله من الوقوع في الشر بالورع، وقول الرجل: ما كشفت كنف أنثى أي: ستر أنثى، وقول حسان في عائشة: حصان بفتح الحاء امرأة حصان أي: متعففة رزان أي: ثابتة ما تزن أي: ترمي ولا تتهم بريبة أي: أمر يريب الناس وتصبح غرثى أي: خائفة الموت، والغرث: الجوع من لحوم الغوافل جمع غافلة والمعنى أنها لا تغتاب أحداً ممن هو غافل، وقرأ لا تحسبوه وتحسبونه ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين والباقون بكسرها، ولما أخبر سبحانه وتعالى بعقاب أهل الإفك، وكان في المؤمنين من سمعه وسكت، وفيهم من سمعه فتحدّث به متعجباً من قائله أو متثبتاً في أمره وفيهم من أكذبه أتبعه سبحانه وتعالى بعتابهم في أسلوب خطابهم مثنياً على من كذبه، فقال سبحانه وتعالى مستأنفاً محرضاً:

{لولا} أي: هلا ولم لا {إذ} أي: حين {سمعتموه} أيها المدعون للإيمان {ظن المؤمنون} أي: منكم {والمؤمنات} وكان الأصل ظننتم أي: أيها العصبة ولكنه التفت إلى الغيبة تنبيهاً على التوبيخ، وصرح بالنساء ونبه على الوصف المقتضي لحسن الظن تخويفاً للذي ظن السوء من سوء الخاتمة {بأنفسهم} حقيقة {خيراً} وهم دون من كذب عليها فقطعوا ببراءتها لأن الإنسان لا يظن في الناس إلا ما هو متصف به أو بإخوانهم لأن المؤمنين كالجسد الواحد وذلك نحو ما يروى أن أبا أيوب الأنصاري قال لأم أيوب: ألا ترين ما يقال؟ فقالت: لو كنت بدل صفوان كنت تظن بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءاً قال: لا، قالت: ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعائشة خير مني وصفوان خير منك {وقالوا هذا إفك مبين} أي: كذب بيّن.

فإن قيل: هلا قيل لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة، وعن الضمير إلى الظاهر؟ أجيب: بأن ذلك مبالغة في التوبيخ على طريقة الالتفات وليصرح بلفظ الإيمان دالاً على أن الاشتراك فيه يقتضي أن لا يصدق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن، وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع قالة في أخيه أن يبني الأمر فيها على الظن لا على الشك، وأن يقول بملء فيه بناءً على ظنه بالمؤمن الخير هذا إفك مبين هكذا اللفظ المصرح ببراءة ساحته لا يقول كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال، وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به والحافظ له وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يشيع ما يسمعه بإخوانه، ثم علل سبحانه وتعالى كذب الآفكين أن قال موبخاً لمن اختلقه وأذاعه ملفتاً لمريديه إلى ظن الخير:

{لولا} أي: هلا ولم لا {جاؤوا عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>