هؤلاء يقولون: الأعمى ربما أكل أكثر، وربما سبقت يده إلى ما سبقت عين آكليه إليه، وهو لا يشعر، والأعرج ربما أخذ في مجلسه مكان اثنين فيضيق على جليسه، والمريض لا يخلو من رائحة تؤذي أو جرح يبض أو نحو ذلك فنزلت، وقال مجاهد: نزلت الآية ترخيصاً لهؤلاء في الأكل من بيوت من سمى الله في هذه الآية، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون محل الرجل لطلب الطعام، فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيت أبيه وبيت أمه، وبعض من سمى الله تعالى في هذه الآية، فكان أهل الزمانة يتحرجون من هذا الطعام ويقولون: ذهب بنا إلى بيت غيره فنزلت الآية.
وقال سعيد بن المسيب: كان المسلمون إذا غزوا غلقوا منازلهم ويدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون: لا ندخلها وهم غيب، فأنزل الله تعالى هذه الآية رخصة لهم، وقال الحسن: نزلت رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد، وقال: تم الكلام عند قوله تعالى: {ولا على المريض حرج} ، وقوله تعالى:{ولا على أنفسكم أن تأكلوا في بيوتكم} كلام مستأنف منقطع عما قبله فإن قيل: أي فائدة في إباحة أكل الإنسان طعاماً في بيته؟ أجيب: بأن المراد من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم فيدخل فيه بيوت الأولاد؛ لأن بيت ولده كبيته؛ قال صلى الله عليه وسلم «أنت ومالك لأبيك» ، وقال صلى الله عليه وسلم «إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه وإن ولده من كسبه» ، وقيل لما نزل قوله تعالى:{لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}()
قالوا: لا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فأنزل الله تعالى:{ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} أي: لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم {أو بيوت آبائكم} أي: وإن بعدت أنسابهم قال البقاعي: ولعله جمع لذلك فإنها مرباكم وحرمتها حرمتكم {أو بيوت أمهاتكم} كذلك وقدم الأب؛ لأنه أجل وهو حاكم بيته دائماً والمال له {أو بيوت إخوانكم} أي: من الأبوين أو الأب أو الأم بالنسب أو الرضاع، فإنهم من أولى من رضي بذلك بعد الوالدين؛ لأنهم منكم، وهم أولياء بيوتهم {أو بيوت أخواتكم} ، فإنهن بعدهم من أولي البيت، فإن كن مزوجات فلا بد من إذن الزوج {أو بيوت أعمامكم} فإنهم شقائق آبائكم سواء كانوا أشقاء أو لأب أم لأم، ولو أفرد العم لتوهم أنه الشقيق فقط، فإنه أحق بالاسم {أو بيوت عماتكم} فإنهن بعد الأعمام لضعفهن؛ ولأنهن ربما كان أولياء بيوتهن الأزواج {أو بيوت أخوالكم} لأنهم شقائق أمهاتكم {أو بيوت خالاتكم} أخرهن لما ذكر في العمات {أو ما ملكتم مفاتحه} قال ابن عباس: عنى بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن ماشيته، ولا يحمل ولا يدخر، وملك المفاتح كونها في يده وحفظه، وقال الضحاك: يعني من بيوت عبيدكم ومماليككم؛ لأن السيد يملك منزل عبده والمفاتح الخزائن بقوله تعالى:{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}()
ويجوز أن تكون الذي يفتح به، وقال عكرمة: إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير، وقال السدي: الرجل يولي طعام غيره ويقوم عليه فلا بأس أن يأكل منه، وقيل: أو ما ملكتم مفاتحه ما خزنتموه عندكم، وقال مجاهد وقتادة: من بيوت أنفسكم مما ادخرتم وملكتم {أو صديقكم} أي: أو بيوت أصدقائكم، والصديق هو الذي