للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تزال رياً تغني صاحبها عن كل حاجة ولا تحوجة في استمرارها إلى سقي {ويجعل لك قصوراً} أيضاً وهي جمع قصر، وهو المسكن الرفيع، قال المفسرون: القصور هي البيوت المشيدة، والعرب تسمي كل بيت مشيد قصراً، ويحتمل أن يكون لكل جنة قصر، فيكون مسكناً ومنتزهاً، ويجوز أن تكون القصور مجموعة والجنات مجموعة، وقال مجاهد: إن شاء جعل جنات في الآخرة وقصوراً في الدنيا، ولم يشأ الله سبحانه وتعالى ما أشار إليه في هذه الآية الشريفة في هذه الدنيا الفانية وأخره إلى الآخرة الباقية، وقد عرض عليه سبحانه وتعالى ما شاء في ذلك في الدنيا فأباه.

روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً فقلت: لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً، أو قال: ثلاثاً أو نحو هذا فإذا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو شئت لسارت معي جبال مكة ذهباً جاءني ملك فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت نبياً عبداً وإن شئت نبياً ملكاً، فنظرت إلى جبريل عليه السلام فأشار إلي أن ضع نفسك، فقلت: نبياً عبداً، قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئاً، ويقول: آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» .

وعن ابن عباس قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وجبريل عليه السلام معه، فقال جبريل عليه السلام: هذا ملك قد نزل من السماء استأذن ربه في زيارتك، فلم يلبث إلا قليلاً حتى جاء الملك وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن الله يخيرك أن يعطيك مفاتيح كل شيء لم يعطه أحداً قبلك، ولا يعطيه أحداً بعدك من غير أن ينقصك مما أداك شيئاً، فقال صلى الله عليه وسلم «بل يجمعها لي في الآخرة» فنزل {تبارك الذي إن شاء} الآية، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة برفع اللام من يجعل، وفيه وجهان: أحدهما: أنه مستأنف، والثاني: أنه معطوف على جواب الشرط؛ لأن الشرط إذا وقع ماضياً جاز في جوابه الجزم والرفع كقوله:

*وإن أتاه خليل يوم مسألة

... يقول لا غائب مالي ولا حرم

والباقون بالجزم، ويجوز في {يجعل لك} إذا أدغمت أن تكون اللام في تقدير الجزم والرفع، ثم أضرب سبحانه وتعالى عن كلامهم في حق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:

{بل} أي: لا يظنوا أنهم كذبوا بما جئت به؛ لأنهم لا يعتقدون فيك كذباً بل {كذبوا بالساعة} أي: القيامة، فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوي، وظنوا أن الكرامة إنما هي بالمال فلا يرجون ثواباً ولا عقاباً، فلا يتكلفون النظر والفكر، ولهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل {وأعتدنا} أي: والحال أنا اعتدنا أي: هيأنا بما لنا من العظمة {لمن كذب} من هؤلاء وغيرهم {بالساعة سعيراً} أي: ناراً شديدة الاتقاد بما أعظموا الحريق في قلوب من كذبوهم من الأنبياء وأتباعهم، وعن الحسن: أن السعير اسم من أسماء جهنم.

تنبيه: احتج أهل السنة على أن الجنة مخلوقة بقوله تعالى: {أعدت للمتقين} (آل عمران، ١٣٣)

وعلى أن النار وهي دار العقاب مخلوقة بهذه الآية:

{إذا رأتهم من مكان بعيد} وهو أقصى ما تمكن رؤيتها منه، وقال الكلبي والسدي: من مسيرة عام، وقيل: من مسيرة مائة سنة،

<<  <  ج: ص:  >  >>