{ويوم يعض الظالم} أي: المشرك لفرط تأسفه لما يرى فيه من الأهوال، معمول لمحذوف أو معطوف على يوم تشقق، وأل في الظالم تحتمل العهد والجنس لكن قال ابن عباس: أراد بالظالم عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً ودعا إليه جهراً جيرانه وأشراف قومه، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ويعجبه حديثه، فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاماً ودعا الناس ودعا النبي صلى الله عليه وسلم فلما قرب الطعام قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» ، فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فأكل صلى الله عليه وسلم من طعامه، وكان عقبة صديقاً لأبي بن خلف، فلما أتى أبيّ بن خلف قال له: يا عقبة صبأت؟ فقال: لا والله ما صبأت، ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له، فاستحيت أن يخرج من بيتي ولم يطعم، فشهدت له فطعم، والشهادة ليست في نفسي، فقال: ما أنا بالذي أرضى منك أبداً إلا أن تأتيه وتبصق في وجهه وتطأ قفاه وتلطم وجهه وعينه، فوجده ساجداً في دار الندوة ففعل ذلك عقبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف» فقتل عقبة يوم بدر صبراً أمر علياً رضي الله عنه فقتله، وقيل: قتله عاصم بن ثابت بن أفلح الأنصاري، وأما أبي بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده يوم أحد طعنه في المبارزة فرجع إلى مكة ومات.
قال الضحاك: لما بصق عقبة في وجه النبي صلى الله عليه وسلم عاد بصاقه في وجهه فاحترق خداه، فكان أثر ذلك فيه حتى مات، وقال الشعبي: كان عقبة خليل أمية، فأسلم عقبة فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن بايعت محمداً، فكفر وارتد، فأنزل الله تعالى:{ويوم يعض الظالم} أي: عقبة {على يديه} قال الضحاك: يأكل يديه إلى المرفق، ثم تنبت ولا يزال هكذا كلما أكلها نبتت، وقال المحققون: هذه اللفظة للتحسر والغم يقال: عض أنامله وعض على يديه وهو لا يشعر حال كونه مع هذا الفعل {يقول} : أي: يجدد في كل لحظة قوله: {يا ليتني اتخذت} أي: أرغمت نفسي وكلفتها أن آخذ في الدنيا {مع الرسول} أي: محمد صلى الله عليه وسلم {سبيلاً} أي: طريقاً إلى الهدى، ولما تأسف على مجانبة الرسول ندم على مصادقة غيره بقوله:
{يا ويلتي} أي: يا هلاكي الذي ليس لي منادم غيره؛ لأنه ليس يحضرني سواه {ليتني لم أتخذ فلاناً} أي: أبياً {خليلاً} أي: صديقاً أوافقه في أعماله لما علمت من سوء عاقبتها، فكنى عن اسمه وإن أريد به الجنس، فكل من اتخذ من المضلين خليلاً كان لخليله اسم علم عليه لا محالة فجعله كناية عنه، وقرأ أبو عمرو بفتح الياء، والباقون بالسكون، وأظهر الدال عند التاء ابن كثير وحفص، وأدغمها الباقون ثم استأنف قوله: الذي يتوقع كل سامع أن يقوله:
{لقد} أي: والله لقد {أضلني عن الذكر} أي: عمى علي طريق القرآن الذي لا ذكر في الحقيقة غيره وصرفني عنه، والجملة في موضع العلة لما قبلها {بعد إذ جاءني} ولم يكن لي منه مانع يردني عن الإيمان به، وقرأ نافع وابن ذكوان وعاصم بإظهار الذال، والباقون بالإدغام وقوله تعالى:{وكان الشيطان} إشارة إلى خليله سماه شيطاناً؛ لأنه أضله كما يضل الشيطان، أو إلى كل من كان سبباً للضلال من عتاة الجن والإنس {للإنسان خذولاً} أي: