للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله عليه وسلم فإنه أخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى وقد طابق كلها، ويجوز أن يعود الضمير على الشياطين، ومعنى إلقائهم السمع إنصاتهم إلى الملأ الأعلى قبل أن يرجموا فيخطفون منهم بعض المغيبات ويوحونه إلى أوليائهم أو يلقون الشيء المسموع إلى الكهنة {وأكثرهم} أي: الفريقين {كاذبون} أما الشياطين فإنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا، وأمّا الآفكون: فإنهم يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم.

فإن قيل: كيف قال وأكثرهم كاذبون بعدما حكم عليهم أنّ كل واحد منهم أفاك؟ أجيب: بأنّ الأفاكين هم الذين يكثرون الكذب لأنهم الذين لا ينطقون إلا بالكذب فأراد أنّ هؤلاء الأفاكين قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجنيّ وأكثرهم مفتر عليه، ولما قال الكفار لم لا يجوز أن يقال الشياطين تنزل بالقرآن على محمد كما أنهم ينزلون بالكهانة على الكهنة وبالشعر على الشعراء، ثم إنه تعالى فرق بين محمد عليه الصلاة والسلام وبين الكهنة، وذكر ما يدلّ على الفرق بينه وبين الشعراء بقوله تعالى:

{والشعراء يتبعهم الغاوون} أي: الضالون المائلون عن سنن الأقوم إلى كل فساد يجرّ إلى الهلاك وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا كذلك بل هم الساجدون الباكون الزاهدون رضي الله تعالى عنهم، وقرأ نافع بسكون التاء الفوقية وفتح الباء الموحدة، والباقون بتشديد الفوقية وكسر الموحدة، ولما قرّر حال أتباعهم، علم منه أنهم هم أغوى منهم لتهّتكهم في شهوة اللقلقة باللسان حتى حسن لهم الزور والبهتان، دلّ على ذلك بقوله تعالى:

{ألم تر} أي: تعلم {أنهم} أي: الشعراء ومثل حالهم بقوله تعالى: {في كل واد} من أودية القول من المدح والهجو والتشبب والرثاء والمجون وغير ذلك {يهيمون} أي: يسيرون سير البهائم حائرين وعن طريق الحق حائدين كيفما جرّهم القول أنجرّوا من القدح في الأنساب والتشبب بالحرم والهجو ومدح من لا يستحق المدح ونحو ذلك، ولذلك قال تعالى:

{وأنهم يقولون ما لا يفعلون} أي: لأنهم لا يقصدونه وإنما ألجأهم إليه الفنّ الذي سلكوه فأكثر أقوالهم لا حقائق لها، وقيل: إنهم يمدحون الجود والكرم ويحثون عليه ولا يفعلونه ويذمّون البخل ويصرّون عليه ويهجون الناس بأدنى شيء صدر منهم.

تنبيه: قال المفسرون: أراد شعراء الكفار كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر مقاتل أسماءهم فقال: منهم عبد الله بن الزبعري السهميّ وهبيرة بن أبي وهب المخزوميّ وشافع بن عبد مناف وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحيّ وأمية بن أبي الصلت الثقفي تكلموا بالكذب والباطل وقالوا: نحن نقول كما قال محمد وقالوا الشعر واجتمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم حين هجوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويروون عنهم قولهم: فذلك قوله تعالى: {يتبعهم الغاوون} وهم الرواة الذين يروون هجاء المسلمين، وقال قتادة: هم الشياطين، ثم.

إنه تعالى لما وصف شعراء الكفار بهذه الأوصاف، استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجتنبون شعر الجاهلية ويهجون الكفار وينافحون عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، منهم: حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك، فقال تعالى:

{إلا الذين آمنوا} أي: بالله ورسوله {وعملوا} أي: تصديقاً لإيمانهم {الصالحات} أي: التي شرعها الله تعالى ورسوله {وذكروا الله} مستحضرين ما له من الكمال {كثيراً} أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>