النفخة الأولى حين يصعقون {إلاّ من شاء الله} أي: المحيط علماً وقدرة وعزة وعظمة أن لا يفزع.
روي أنه صلى الله عليه وسلم «سأل جبريل عنهم فقال هم الشهداء يتقلدون أسيافهم حول العرش» وعن ابن عباس هم الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم لا يصل الفزع إليهم، وعن مقاتل: هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام، ويروى أنّ الله تعالى يقول لملك الموت خذ نفس إسرافيل ثم يقول الله تعالى من بقي يا ملك الموت فيقول سبحانك ربي تباركت وتعاليت بقي جبريل وميكائيل وملك الموت، فيقول الله تعالى خذ نفس ميكائيل ثم يقول الله تعالى من بقي يا ملك الموت فيقول سبحانك ربي تباركت وتعاليت بقي جبريل وملك الموت فيقول مت يا ملك الموت فيموت فيقول يا جبريل من بقي فيقول تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، وجهك الباقي الدائم وجبريل الميت الفاني قال يا جبريل لا بدّ من موتك فيقع ساجداً يخفق بجناحيه، فيروى أنّ فضل خلقه على خلق ميكائيل كالطود العظيم، ويروى أنه يبقى مع هؤلاء الأربعة حملة العرش ثم روح إسرافيل ثم روح ملك الموت، وعن الضحاك هم رضوان والحور ومالك والزبانية عليهم السلام وقيل: عقارب النار وحياتها {وكل} أي: من فزع ومن لم يفزع {أتوه} أي: بعد ذلك للحساب بنفخة أخرى يقيمهم بها وفي ذلك دليل على تمام قدرته تعالى في كونه أقامهم بما به أماتهم {داخرين} أي: صاغرين.
وقرأ حفص وحمزة بقصر الهمزة وفتح التاء على أنه فعل ماض ومفعوله الهاء فالتعبير به لتحقق وقوعه، والباقون بمد الهمزة وضم التاء على أنه اسم فاعل مضاف للهاء وهذا حمل على معنى كل وهي مضافة تقديراً أي: وكلهم، ولما ذكر تعالى دخورهم أتبعه بدخور ما هو أعظم منهم بقوله تعالى:
{وترى الجبال} أي: تبصرها وقت النفخة والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم لكونه أنفذ الناس بصراً وأنورهم بصيرة أو لكل أحد {تحسبها} أي: تظنها {جامدة} أي: قائمة ثابتة في مكانها لا تتحرّك لأنّ الأجرام الكبار إذا تحرّكت في سمت واحد لا تكاد تتبين حركتها {وهي تمرّ} أي: تسير حتى تقع على الأرض فتسوى بها مبثوثة ثم تصير كالعهن ثم تصير هباءً منثوراً، وأشار تعالى إلى أن سيرها خفي وإن كان حثيثاً بقوله تعالى:{مرّ السحاب} أي: مرّاً سريعاً لا يدرك على ما هو عليه لأنه إذا أطبق الجوّ لا يدرك سيره مع أنه لا شك فيه وإلالم تنكشف الشمس بلا لبس وكذلك كبير الجرم أو كثير العدد يقصر عن الإحاطة به لبعد ما بين أطرافه ولكثرته البصر والناظر الحاذق يظنه واقفاً.
وقرأ تحسبها بكسر السين نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي وفتحها الباقون وقوله تعالى {صنع الله} مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله أضيف إلى فاعله بعد حذف عامله، أي: صنع الله ذلك صنعاً، ثم زاد في التعظيم بقوله دالاً على تمام الإحكام في ذلك الصنع {الذي أتقن} أي: أحكم {كل شيء} صنعه ولما ثبت هذا على هذا الوجه المتقن والنظام الأمكن أنتج قطعاً قوله تعالى: {إنه} أي: الذي أتقن هذه الأمور {خبير بما يفعلون} أي: عالم بظواهر الأحوال وبواطنها ليجازيهم عليها كما قال تعالى:
{من جاء بالحسنة} أي: الكاملة وهي الإيمان، وعن ابن عباس الحسنة كلمة الشهادة {فله خير} أي: