استعلام وإنما يسئلون سؤال توبيخ وتقريع، وقيل المراد أنّ الله تعالى إذا عاقب المجرمين فلا حاجة به إلى سؤالهم عن كيفية ذنوبهم وكميتها لأنه تعالى عالم بكل المعلومات فلا حاجة إلى السؤال، فإن قيل كيف الجمع بين هذا وبين قوله تعالى:{فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون}(الحجر: ٩٢ ـ ٩٣)
أجيب: بحمل ذلك على وقتين، وقال أبو مسلم: السؤال قد يكون للمحاسبة وقد يكون للتوبيخ والتقريع وقد يكون للاستعتاب، قال ابن عادل: وأليق الوجوه بهذه الآية الاستعتاب لقوله تعالى: {ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون}(النحل، ٨٤) هذا يوم لا ينطقون ولايؤذن لهم فيعتذرون (المرسلات: ٣٥، ٣٦) .
{فخرج} أي: فتسبب عن تجبره واغتراره بماله أن خرج {على قومه} أي: الذين نصحوه في الاقتصاد في شأنه والإكثار في الجود على إخوانه وقوله تعالى: {في زينته} فيه دليل على أنه خرج بأظهر زينته وأكملها وليس في القرآن إلا هذا القدر.
والناس ذكروا وجوهاً مختلفة: فقال إبراهيم النخعي أنه خرج هو وقومه في ثياب حمر وصفر، وقال ابن زيد: في تسعين ألفاً عليهم المعصفرات وقال مقاتل: خرج على بلغة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلثمائة جارية بيض عليهنّ الحلي والثياب الحمر على البغال ولما كان كأنه قبل ماذا قال قومه له قيل {قال الذين يريدون الحياة الدنيا} منهم لسفول هممهم وقصور نظرهم على الفاني لكونهم أهل جهل وإن كان قولهم من باب الغبطة لا من باب الحسد الذي هو تمنى زوال نعمة المحسود {يا ليت لنا} أي: نتمنى تمنياً عظيماً أن نؤتى من أيّ مؤت كان وعلى أيّ وصف كان {مثل ما أوتي قارون} أي: من هذه الزينة وما تسبب عنه من العلم حتى لا نزال أصحاب أموال، ثم عظموها بقولهم مؤكدين لعلمهم أن ثم من يريدان ينكر عليهم {إنه لذو حظ} أي: نصيب وبخت من الدنيا {عظيم} بما أوتيه من العلم الذي كان سبباً له إلى جمع هذا المال وهؤلاء الراغبون يحتمل أن يكونوا من الكفار وأن يكونوا من المسلمين الذين يحبون الدنيا ودل على جهلهم وفضل العلم الرباني وحقارة ما أوتي قارون من المال والعلم الظاهر الذي أدى إلى اتباعه قوله تعالى:
{وقال الذين أوتوا العلم} وهم أهل الدين قال ابن عباس: رضي الله تعالى عنهما يعني الأحبار من بني إسرائيل، وقال مقاتل: أوتوا العلم بما وعد الله في الآخرة فقالوا للذين تمنوا {ويلكم} ويل: أصله الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما يضر، وهو منصوب بمحذوف أي: ألزمكم الله ويلكم {ثواب الله} أي: الجليل العظيم {خير} أي: من هذا الحطام الذي أوتيه قارون في الدنيا بل من الدنيا وما فيها ومن فاته الخير حل به الويل، ثم بينوا مستحقه تعظيماً له وترغيباً للسامع في حاله بقولهم {لمن آمن وعمل} تصديقاً لإيمانه {صالحاً} ثم بين تعالى عظمة هذه النصيحة وعلو قدرها بقوله تعالى: {ولا يلقاها} أي: هذه النصيحة التي قالها أهل العلم وهي الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله أو الجنة المثاب بها {إلا الصابرون} أي: على أداء الطاعات والاحتراز عن المحرّمات وعلى الرضا بقضاء الله في كل ما قسم من المنافع والمضار الذين صار الصبر لهم خلقاً، ولما تسبب عن نظره هذا الذي أوصله إلى الكفر بربه أخذه بالعذاب أشار إلى ذلك بقوله سبحانه وتعالى:
{فخسفنا} أي: بمالنا من العظمة {به وبداره الأرض} روي أنه كان