للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخرى بقوله تعالى: {ويومئذ} أي: تغلب الروم على فارس {يفرح المؤمنون} أي: العريقون في هذا الوصف من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم

{بنصر الله} أي: الذي لا رادّ لأمره للروم على فارس، وقد فرحوا بذلك وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر بنزول جبريل عليه السلام بذلك فيه مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه، قال السدي: فرح النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بظهورهم على المشركين يوم بدر وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك، وعن أبي سعيد الخدري: وافق ذلك يوم بدر وفي هذا اليوم نصر المؤمنون. {ينصرُ من يشاء} من ضعيف وقوي لأنه لا مانع له ولا يسأل عما يفعل، فالغلبة لا تدل على الحق بل الله قد يزيد ثواب المؤمن فيبتليه ويسلط عليه الأعادي، وقد يختار تعجيل العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر قبل يوم المعاد {وهو العزيز} فلا يعز من عادى ولا يذل من والى، وقرأ قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء والباقون بالضم، ولما كان السياق لبشارة المؤمنين قال {الرحيم} فيخصهم بالأعمال الزكية والأخلاق المرضية.

{وعد الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال، مصدر مؤكد ناصبه مضمر أي: وعدهم الله ذلك وعداً بظهور الروم على فارس {لا يخلف الله} أي: الذي له الأمر كله {وعده} به، وهذا مقرّر لمعنى هذا المصدر، ويجوز أن يكون قوله تعالى: {لا يخلف الله وعده} حالاً من المصدر فيكون كالمصدر الموصوف فهو مبين للنوع كأنه قيل: وعد الله وعداً غير مخلف {ولكن أكثر الناس} لجهلهم وعدم تفكرهم {لا يعلمون} ذلك. وقوله تعالى:

{يعلمون} بدل من قوله تعالى {لا يعلمون} وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه وجعله بحيث يقوم مقامه ويسدّ مسدّه ليعلمه أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يجاوز الدنيا {ظاهراً من الحياة الدنيا} يفيد أن للدنيا ظاهراً وباطناً: فظاهرها: ما يعرفه الجهال من أمر معايشهم كيف يكسبون ويتجرون ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون وكيف يبنون ويعرشون، قال الحسن: إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه وهو لا يخطئ، وهو لا يحسن يصلي. وأمثال هذا الهم كثير وهو وإن كان عند أهل الدنيا عظيماً فهو عند الله حقير فلذلك حقره لأنهم ما زادوا فيه على أن ساووا البهائم في إدراكها ما ينفعها فتستجلبه بضروب من الحيل، وما يضرها فتدفعه بأنواع من الخداع، وأما علم باطنها: وهو أنها مجاز إلى الآخرة يتزوّد منها بالطاعة فهو ممدوح، وفي تنكير الظاهر إشارة إلى أنهم لا يعلمون إلا ظاهراً واحداً من جملة ظواهرها {وهم} أي: هؤلاء الموصوفون خاصة {عن الآخرة} أي: التي هي المقصودة بالذات، وما خلقت الدنيا إلا للتوصل بها إليها ليظهر الحكم بالقسط وجميع صفات العز والكبر والجلال والإكرام {هم غافلون} أي: في غاية الاستغراق والإضراب عنها بحيث لا تخطر في خواطرهم.

تنبيه: هم الثانية يجوز أن تكون مبتدأً، وغافلون خبره، والجملة خبر هم الأولى، وأن تكون تكريراً للأولى، {وغافلون} خبراً للأولى، وأية كانت فذكرها مناد على أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرّها ومعلمها، وأنها منهم تنبع وإليهم ترجع.

{أولم يتفكروا} أي: يجتهدوا في إعمال الفكر، وقوله تعالى {في أنفسهم} يحتمل أن يكون ظرفاً كأنه قيل: أَوَلَمْ يحدثوا الفكر في أنفسهم

<<  <  ج: ص:  >  >>