مطيعون في الحياة والفناء والموت والبعث وإن عصوا في العبادة، وقال الكلبي: هذا خاص بمن كان منهم مطيعاً، ونفس السموات والأرضين له وملكه فكل له منقادون، فلا شريك له أصلاً ثم ذكر المدلول الآخر بقوله تعالى:
{وهو الذي يبدؤ الخلق} أي: على سبيل التجديد كما تشاهدون، وأشار إلى تعظيم الإعادة بأداة التراخي فقال {ثم يعيده} أي: بعد الموت للبعث. وفي قوله تعالى {وهو أهون عليه} قولان أحدهما: أنها للتفضيل على بابها، وعلى هذا يقال: كيف يتصوّر التفضيل والإعادة والبداءة بالنسبة إلى الله تعالى على حدّ سواء؟ وفي ذلك أجوبة أحدها: إنّ ذلك بالنسبة إلى اعتقاد البشر باعتبار المشاهدة من أنّ إعادة الشيء أهون من اختراعه لاحتياج الابتداء إلى إعمال فكر غالباً وإن كان هذا منتفياً عن الباري سبحانه وتعالى، فخوطبوا بحسب ما ألفوه. ثانيها: أنّ الضمير في عليه ليس عائداً على الله تعالى إنما يعود على الخلق أي: والعود أهون على الخلق أي: أسرع؛ لأنّ البداءة فيها تدريج من طور إلى طور إلى أن صارت إنساناً، والإعادة لا تحتاج إلى هذه التدريجات فكأنه قيل: وهو أقصر عليه وأيسر وأقل انتقالاً، والمعنى: يقومون بصيحة واحدة فيكون أهون عليهم يعني: أن يقوموا نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً إلى أن يصيروا رجالاً ونساء، وهي رواية الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس. ثالثها: أنّ الضمير في عليه يعود على المخلوق بمعنى: والإعادة أهون على المخلوق أي: إعادته شيئاً بعدما أنشأه، هذا في عرف المخلوقين فكيف ينكرون ذلك في جانب الله تعالى والثاني: أنّ أهون ليس للتفضيل بل هي صيغة بمعنى هين كقولهم: الله أكبر أي: كبير، وهي رواية العوفيّ عن ابن عباس، وقد يجئ أفعل بمعنى الفاعل كقول الفرزدق:
*إنّ الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول*
أي: عزيزة طويلة وعود الضمير على الباري تعالى أولى ليوافق الضمير في قوله تعالى {وله المثل} أي: الوصف العجيب الشأن كالقدرة العامّة والحكمة الشاملة. قال ابن عباس: هو أنه ليس كمثله شيء، وقال قتادة: هو أنه لا إله إلا هو، قال البيضاوي: ومن فسره بلا إله إلا الله أراد به الوصف بالوحدانية {الأعلى} أي: الذي ليس لغيره ما يساويه أو يدانيه، ولما كان الخلق لقصورهم مقيدين بما لهم به نوع مشاهدة قال {في السموات والأرض} أي: اللتين خلقهما ولم يستعصيا عليه فكيف يستعصي عليه شيء فيهما {وهو} أي: وحده {العزيز} أي: الذي إذا أراد شيئاً كان له في غاية الانقياد كائناً ما كان {الحكيم} أي: الذي إذا أراد شيئاً أتقنه فلم يقدر غيره إلى التوصل إلى بعض شيء منه، ولا تتمّ حكمة هذا الكون على هذه الصورة إلا بالبعث بل هي الحكمة العظمى ليصل كل ذي حق إلى حقه بأقصى التحرير. ولما أبان من هذا أنه تعالى المنفرد بالملك بشمول العلم وتمام القدرة وكمال الحكمة اتصل بحسن أمثاله وإحكام مقاله وفعاله قوله تعالى:
{ضرب} أي: جعل {لكم} بحكمته أيها المشركون في أمر الأصنام وبيان الإبطال من يشرك بها وفساد قوله بأجلى ما يكون من التقرير {مثلاً} مبتدأ {من أنفسكم} التي هي أقرب الأشياء إليكم، ثم بين المثل بقوله تعالى:{هل لكم} أي: يا من عبدوا مع