الكفار، وقيل الظاهرة الإقرار باللسان والباطنة الاعتقاد بالقلب، وقيل الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة، والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك، ويروى في دعاء موسى: عليه السلام إلهي دلني على إخفاء نعمتك على عبادك، فقال: أخفى نعمتي عليهم النفس، ويروى أن أيسر ما يعذب به أهل النار الأخذ بالأنفاس، ونزل في النضر بن الحارث وأبي بن خلف وأشباههم كانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في الله تعالى وفي صفاته.
{ومن الناس} أي: أهل مكة {من يجادل} أي: يحاجج فلا لهو أعظم من جداله ولا كبر مثل كبره ولا ضلال مثل ضلاله وأظهر زيادة التشنيع على هذا المجادل بقوله تعالى: {في الله} أي: المحيط علماً وقدرة ثم بين تعالى مجادلته أنها {بغير علم} أي: مستفاد من دليل بل بألفاظ في ركاكة معانيها لعدم إسنادها إلى حس ولا عقل ملحقة بأصوات الحيوانات العجم فكان بذلك حماراً تابعاً للهوى {ولا هدى} أي: من رسول عُهِد منه سداد الأقوال والأفعال بما أبدى من المعجزات والآيات البينات فوجب أخذ أقواله مسلمة وإن لم يظهر معناها {ولا كتاب} أي: من الله تعالى، ثم وصفه بما هو لازم له بقوله تعالى:{منير} أي: بين غاية السبيان؛ بل إنما يجادل بالتقليد كما قال تعالى:
{وإذا قيل} أي: من أي: قائل كان {لهم} أي: المجادلين هذا الجدال {اتبعوا ما أنزل الله} أي: الذي خلقكم وخلق آباءكم الأوّلين {قالوا} جحوداً لا نفعل {بل نتبع} وإن أتيتنا بكل دليل {ما وجدنا عليه آباءنا} لأنهم أثبت منا عقولاً وأقوم قيلاً وأهدى سبيلا، فهذه المجادلة في غاية القبح فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى كلام الله وهم يأخذون بكلام آبائهم، وبين كلام الله تعالى وبين كلام العلماء بون عظيم فكيف ما بين كلام الله تعالى وكلام الجهال {أولو} أي: أيتبعونهم ولو {كان الشيطان} أي: البعيد من الرحمه، المحترق باللعنة {يدعوهم} إلى الضلال فيوبقهم فيما يسخط الرحمن فيؤديهم لك {إلى عذاب السعير} وجواب لو محذوف مثل لا تتبعوه، والاستفهام للإنكار والتعجب، والمعنى أن الله تعالى يدعوهم إلى الثواب والشيطان يدعوهم إلى العذاب وهم مع هذا يتبعون الشيطان، ولما بين تعالى حال المشرك والمجادل في الله بين تعالى حال المسلم المستسلم لأمر الله تعالى بقوله تعالى:
{ومن يسلم} أي: في الحال والاستقبال {وجهه} أي: قصده وتوجهه وذاته كلها {إلى الله} أي: الذي له صفات الكمال بأن فوض أمره إليه فلم يبق لنفسه أمر أصلاً فهو لا يتحرك إلا بأمر من أوامره سبحانه {وهو} أي: والحال أنه {محسن} أي: مخلص بباطنه كما أخلص بظاهره فهو دائماً في حال الشهود {فقد استمسك} أي: أوجد الإمساك بغاية ما يقدر عليه من القوّة في تأدية الأمور {بالعروة الوثقى} أي: اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه؛ لأنّ أوثق العرى جانب الله تعالى فإن كل ما عداه هالك منقطع وهو باق لا انقطاع له، وهذا من باب التمثيل مثل حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق جبل فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه، فإن قيل كيف قال ههنا {ومن يسلم وجهه إلى الله} فعداه بإلى، وقال في البقرة {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن}(البقرة: ١١٢)